عين صينية < الرئيسية

"الدولة الكبيرة القادرة على التمكين".. الصين ترسم خريطة جديدة لحوكمة العالم

: مشاركة
2025-09-30 11:30:00 الصين اليوم:Source وارويك باول:Author

في الأول من سبتمبر عام 2025، خلال اجتماع "منظمة شانغهاي للتعاون+" الذي عقد في مدينة تيانجين، طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ بشكل رسمي مبادرة "الحوكمة العالمية". هذه المبادرة، التي تأتي بعد مبادرة "التنمية العالمية" ومبادرة "الأمن العالمي" ومبادرة "الحضارة العالمية"، تشكل منتجا دوليا عاما مهما آخر تقدمه الصين.

إن هذه المبادرة التي تستند إلى مبادئ جوهرية مثل المساواة في السيادة وسيادة القانون الدولي وتعددية الأطراف ووضع الإنسان في المقام الأول والتمسك بالتركيز على العمل، إلخ، قد أتت بأفكار واتجاهات جديدة للأمم المتحدة التي تحتفل بالذكرى السنوية الثمانين لتأسيسها، ومنظومة الحوكمة العالمية التي تواجه تحديات متعددة.

تأسست الأمم المتحدة على أنقاض الحرب العالمية الثانية، وتسعى إلى تسوية النزاعات وتشكيل المعايير، وتعد منارة مهمة لتعددية الأطراف. ولكن الصراعات الجيوسياسية والاضطرابات الاقتصادية والهوة التكنولوجية وأزمة المناخ، التي تعاني منها الأمم المتحدة اليوم، جعلت هذه المنظومة تتحمل ضغوطا غير مسبوقة، وبات إصلاح الحوكمة العالمية أمرا ملحا. في هذه اللحظة التاريخية الحاسمة، أصبح دور الصين ورؤيتها- كدولة مؤسسة للأمم المتحدة ودائمة العضوية في مجلس الأمن- أكثر أهمية من أي وقت مضى. يوفر مفهوم "الدولة الكبيرة القادرة على التمكين" رؤية فريدة لفهم دور الصين في دفع بناء نظام دولي أكثر عدلا وشمولا.

تغير دور الصين في الأمم المتحدة

لفهم رؤية الصين للحوكمة العالمية، يجب أن نسترجع تفاعلها مع الأمم المتحدة على مدى أكثر من نصف قرن. في عام 1971، أعاد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2758 المقعد الشرعي لجمهورية الصين الشعبية، وهو ما يعد انتصارا للدبلوماسية الصينية، كما يُنظر إليه على أنه تعديل تاريخي في منظومة الحوكمة العالمية. إن الأصوات المؤيدة للعديد من الدول الناشئة في آسيا وأفريقيا لهذا القرار، تبرز وحدة دول "الجنوب العالمي"، وتشكل أيضا توازنا إيجابيا ضد الهيمنة التقليدية للغرب.

في المرحلة الأولى من عودتها إلى الأمم المتحدة، شاركت الصين بحذر كـ"متلق للقواعد"، حيث كان تركيزها الدبلوماسي منصبا على المحافظة على حماية سيادتها والتنمية الوطنية. منذ نهاية القرن العشرين، ومع تعزيز قوتها الوطنية الشاملة وزيادة مستوى العولمة، بدأت الصين في تغيير دورها إلى "صانع للقواعد". اليوم، أصبحت الصين أكثر البلدان إرسالا لقوات حفظ السلام بين الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وهي أيضا ثاني أكبر دولة ممولة لعمليات حفظ السلام للأمم المتحدة. من الدفع نحو إبرام "اتفاق باريس"، إلى الانخراط العميق في التعاون التنموي الدولي، تواصل الصين الدعوة لمبدأ سيادة الدول المتساوية الذي أقره "ميثاق الأمم المتحدة"، مما يعزز تأثيرها على الساحة العالمية.

تؤمن الصين بقوة أن النظام المتعدد الأطراف الذي تترأسه الأمم المتحدة هو حجر الزاوية في تعددية الأقطاب في العالم، وهو الضمان المؤسسي لمواجهة الأحادية. في هذا الموقف، تتوافق الصين بشكل كبير مع دول نامية عديدة، وأصبحت تدريجيا جسرا يربط بين "الشمال العالمي" و"الجنوب العالمي". اليوم، مع طرح مبادرة "الحوكمة العالمية"، تحقق الصين الانتقال من مشارك مهم إلى مُحدد أكثر نشاطا للأجندات.

لماذا تتعثر إصلاحات الحوكمة العالمية؟

على الرغم من أن الصين تدعم تعددية الأطراف، فإن ثمة العديد من الأسباب وراء تراجع الثقة المتبادلة مع الغرب في مجال الحوكمة العالمية في السنوات الأخيرة، أهمها تعاظم المنافسة المنهجية. اعتادت بعض الدول الغربية الكبيرة على مساواة النفوذ بالسيطرة، وتنظر إلى العلاقات الدولية على أنها لعبة محصلتها صفر. مع ارتفاع صوت الصين في آليات مثل الأمم المتحدة، لا بد أن يمثل ذلك تحديا للتسلسل الهرمي القائم للسلطة، مما يثير القلق الإستراتيجي لدى تلك الدول الغربية.

ثانيا، تؤدي الاختلافات في القيم إلى تفاقم الاختلافات المعرفية. ترى السرديات السائدة في الغرب أن نموذج الحوكمة في الصين "غريب" وغير متوافق مع القيم التي تروج لها الدول الغربية، ومن ثم تبني توقعاتها لدوافع المبادرات العالمية الصينية. أدت هذه العقلية الأيديولوجية أولا إلى إساءة قراءة تصرفات الصين مرارا وتكرارا. على سبيل المثال، فإن مبادرة "الحزام والطريق" التي رسخت وضعها كمنفعة عامة دولية تعزز التواصل والتنمية المشتركة، تم تصنيفها من قبل بعض الرأي العام في الغرب على أنها "أداة جيوسياسية" أو حتى "فخ ديون". في المجالات الناشئة، مثل الحوكمة الرقمية والذكاء الاصطناعي، غالبا ما يتم تصوير المشاركة البناءة للصين على أنها "تحد للنظام القائم".

لقد أعاقت هذه الفجوة المعرفية العميقة الجذور بشكل خطير كفاءة التعاون الدولي في قضايا رئيسية، مثل تغير المناخ والصحة العامة وسلامة الذكاء الاصطناعي، بل وأدت مرارا وتكرارا إلى طريق مسدود في الآليات الجوهرية مثل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وحامت الشكوك الإستراتيجية في المجالات التي كان ينبغي أن ينفذ فيها التعاون، كما ضعفت إلى حد كبير فعالية نظام الحوكمة العالمية.

الصين تطرح مسارا جديدا للحوكمة العالمية تقدمه الصين

في مواجهة عجز الحوكمة العالمية، لم يكن اختيار الصين هو بدء مشروع جديد، بل طرحت مجموعة من الإصلاحات والحلول المنهجية لتحسين النظام القائم. من مبادرة "التنمية العالمية" التي تركز على التنمية المستدامة، إلى مبادرة "الأمن العالمي" التي تدعو إلى الأمن المشترك، وصولا إلى مبادرة "الحضارة العالمية" التي تعزز التبادل الثقافي، ثم أخيرا مبادرة "الحوكمة العالمية" التي تم تقديمها مؤخرا كتصميم أعلى، تشكل هذه المبادرات الأربع معا رؤية الصين لنظام العالم المستقبلي. تتمحور هذه الرؤية حول تجاوز الهيكل التقليدي "المركز- الهوامش"، ودفع بناء شراكات متعددة الأطراف أكثر مساواة وشمولا وترابطا.

المنطق الكامن وراء هذه الرؤية هو مفهوم "الدولة الكبيرة القادرة على التمكين". على عكس الدول التقليدية الساعية للهيمنة، فإن "الدولة الكبيرة القادرة على التمكين" تهدف إلى تمكين الدول الأخرى من خلال بناء منصات تعاون، وتقديم المنتجات العامة، وخلق ظروف التنمية. لا تتجلى قوتها في القيود القسرية، بل في خلق نظام بيئي يأخذ بعين الاعتبار المنفعة المتبادلة والازدهار المشترك.

يتجسد "تمكين" الصين في عدة أبعاد: في مجال البنية التحتية، تساهم مبادرة "الحزام والطريق" من خلال تداول الأموال، في مساعدة الدول الشريكة على بناء السكك الحديدية والموانئ والممرات الرقمية، مما يفتح الشرايين لتنميتها الاقتصادية. في منصات التمويل، يعد البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية وبنك التنمية الجديد من مؤسسات التمويل المتعددة الأطراف الجديدة، وتوفر مكملات مفيدة لنظام "بريتون وودز" التقليدي، وتعزز أصوات دول "الجنوب العالمي". في جانب التعاون التكنولوجي، يهدف "طريق الحرير الرقمي" إلى المنفعة للجميع وتقاسم الثمار، ودعوة جميع الدول لبناء منصة مشتركة وتحمل المخاطر. على مستوى بناء القدرات، من التدريب على حفظ السلام إلى المساعدة في مجال المناخ، وصولا إلى التعاون في تطوير الموارد البشرية على نطاق واسع، تركز الصين على "أن تعلمني الصيد خير من أن تعطيني سمكة"، مما يساعد الدول الأخرى على تنمية الدوافع الذاتية.

في إطار الأمم المتحدة، يتجسد مفهوم "التمكين" في الدعم الثابت لإصلاح الآليات، بهدف بناء "الموارد العالمية المشتركة" على نحو مفتوح وشامل. على سبيل المثال، تدعم الصين بوضوح زيادة تمثيل الدول الأفريقية ودول "الجنوب العالمي" في مجلس الأمن. كما أن الثقافة التقليدية الصينية المتمثلة في "التناغم" وفلسفة "إيجاد أرضية مشتركة مع وضع الاختلافات جانبا" توفر موارد ثقافية لتجنب صراع القوى الكبيرة في عصر تعدد الأقطاب.

لا شك أن الطريق المقبل مكتظ بالتحديات، وما زالت معركة السرديات حول الصين مستمرة، ولم يتم التغلب على مشكلة الافتقار إلى الثقة المتبادلة. ولكن الفرص أيضا بارزة. توفر الذكرى السنوية الثمانون لتأسيس الأمم المتحدة فرصة مهمة للإصلاح المنهجي، ويضفي الاستيقاظ الجماعي لـ"الجنوب العالمي" ديناميكية قوية لبناء نظام أكثر شمولا، كما أن التقنيات الناشئة تفتح طرقا جديدة للتعاون العالمي.

يعتمد مستقبل الأمم المتحدة على قدرة المنظمة على استعادة نيتها التأسيسية في عصر التغيير. يوفر النموذج الصيني القائم على مفهوم "الدولة الكبيرة القادرة على التمكين" مسارا بديلا يستند إلى الحوار والتنمية المشتركة. ويشير ذلك إلى أننا نحتاج إلى نظام حوكمة عالمية فعّال حقا يتخلص من منطق الهيمنة الإقصائية، ويحتضن التنوع وروح الإنترنت. إن ما ينتظره العالم هو أن يرى ما إذا كانت مبادرة الصين قادرة على أن تصبح جسرا للأمن والازدهار المشتركين.

--

وارويك باول، أستاذ زائر في جامعة كوينزلاند للتكنولوجيا بأستراليا.

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

互联网新闻信息服务许可证10120240024 | 京ICP备10041721号-4