في مواقع مزادات الربيع والخريف للتحف بالصين، تراه نشيطا مشغولا؛ يتحدث عن قطعة أثرية أثارت انتباهه أو يتقاسم خبراته في اقتناء التحف وثمار بحوثه حول الأعمال الخزفية مع هواة جمع التحف. يكاد كل المهتمين بعالم التحف يعرفون الأستاذ جين، خبير التحف الأثرية وصاحب المعرفة الواسعة والذاكرة القوية في مجاله. "الأستاذ جين" هو السيد جين لي يان، ابن قومية هوي وصاحب صالون "ليانغتشينغ" الأدبي في بكين.
الشغف بجمع أعمال الخزف منذ الصغر
وُلد جين لي يان في أسرة مسلمة من قومية هوي في بكين. يناهز عمره حاليا اثنتين وأربعين سنة، ولديه خبرة أكثر من عشرين عاما في اقتناء أعمال الخزف، حيث أنه بدأ جمع القطع الخزفية قبل أن يبلغ العشرين من عمره. قال إن الفضل في ذلك يرجع إلى تأثير أسرته عليه، وخاصة والده السيد جين شن الخبير المشهور في تقييم التماثيل البوذية الأثرية.
قال السيد جين: "بتأثير من أبي، أحببت الخزف الأثري منذ أن كنت طالبا في المرحلة الإعدادية. كان أبي يدرس في اليابان، فسافرت مع أمي إلى اليابان لمرافقته، والتحقت بمدرسة إعدادية هناك، حيث درست سنتين. خلال تلك الفترة، زرت مع أبي متاحف مختلفة في اليابان في عطلات نهاية الأسبوع، مثل المتحف الوطني في طوكيو ومتحف أيدميتسو للفنون ومتحف ماتسوكا للفنون ومتحف توغوري للفنون وغيرها، رأيت فيها عددا كبيرا من الأعمال الخزفية الجميلة الدقيقة. كان أبي يشرح لي خلفية كل عمل لأستمتع بجمالها وروعتها. منذ ذلك الوقت، لم ينقطع شغفي بالأعمال الخزفية." بالإضافة إلى زيارة المتاحف والمعارض الفنية، كان السيد جين يحب زيارة مكتبات في منطقة جيمبوتشو في طوكيو لقراءة وشراء الكتب القديمة حول التحف، وخاصة ألبومات الرسوم التوضيحية حول الأعمال الخزفية الصينية.
بعد عودته إلى بكين، زار السيد جين متحف القصر الإمبراطوري ومتحف التاريخ الصيني ومتحف العاصمة في بكين ومعرض الفنون ببكين ومتحف يانهوانغ الفني وغيرها، للتمتع بالتحف الأثرية. ما زال السيد جين يتذكر زيارته لمتحف هونغ كونغ في تسيم شا تسوي وقاعة الآثار لجامعة اللغة الصينية في حي شا تين ومتحف تسوي للفنون وغيرها، خلال وقت الترانزيت في طريق عودته مع أسرته إلى بكين. يعتقد السيد جين أن هذه التجربة مكنته من معرفة تاريخ تطور الخزف الصيني بشكل مباشر وعميق منذ أن كان طالبا. قال: "اشترى أبي كثيرا من ألبومات الرسوم التوضيحية للأعمال الخزفية في مكتبة دايه بهونغ كونغ، ومن بينها كتاب ((الأعمال الخزفية المحفوظة في بناية تيانمين)) الذي أحبه كل الحب وأعتبره كنزا. أرى أن التمتع بألبومات الرسوم التوضيحية للأعمال الخزفية أسعد أمر في الحياة."
كان الاكتشاف الأول الثمين للسيد جين مقلمة من الخزف باللونين الأزرق والأبيض، يرجع تاريخها إلى فترة الإمبراطور كانغ شي لأسرة تشينغ (1644- 1911م)، وقد اشتراها في سوق التحف القديمة الواقعة بشارع شنيانغ في مدينة تيانجين. السيد جين زبون دائم في هذه السوق، وكلما تجول هناك، هتف أصحاب المتاجر في الشارع، "جاء الزبون الشاب من بكين!". في متجر يديره شقيقان، توجد بعض الأعمال الخزفية التي يرجع تاريخها إلى أسرتي مينغ (1368- 1644م) وتشينغ، ومن بينها مقلمة من الخزف باللونين الأزرق والأبيض، ارتسمت صورتها في ذهن السيد جين، ولم تفارقه قط. الرسوم عليها جميلة رائعة تعكس قصة ((الجنة المغمورة بزهور الدراق))، من خلال المناظر الساحرة للسحاب والضباب والجبال المتراكبة. وقبل أن ينتهي الفتى جين من دراسته في المرحلة الإعدادية، كان قد نجح في إقناع أبيه بدفع ثمن كبير لشراء تلك المقلمة، وقد التقط صورة أمام بوابة المتجر وعلى وجهه ابتسامة رضا واعتزاز بعد شرائها. قال السيد جين: "أدركت أن موضوع الرسم على المقلمة هو قصة ((الجنة المغمورة بزهور الدراق)) لأنني تعلمت هذه القصة في درس اللغة الصينية، ووجدت التفصيل الدقيق لمشهد كنس الأرض الذي يصور الحياة الهادئة والمريحة في الجنة، فمن المستحيل أن يكنس الناس الأرض إذا كان هناك فوضى واضطراب."
في عام ستة وتسعين وتسعمائة وألف، سافر جين إلى اليابان لإكمال الدراسة وحصل على درجة الدكتوراه في تخصص تاريخ الفنون بجامعة كيو في عام 2005، وعمل خبيرا في قسم الخزف لدار كريستيز للمزادات في هونغ كونغ خلال عامي 2005 و2006، وعمل مدير قسم الفخار والخزف لشركة غارديان للمزادات المحدودة الصينية خلال الفترة من عام 2007 إلى عام 2014، حيث أشرف على العديد من المزادات العلنية، وحظي بتقدير عال من المتخصصين في جمع التحف الصينيين والأجانب، بينما أصدر كثيرا من الأطروحات حول الفخار والخزف، وألقى محاضرات عديدة في اليابان وهونغ كونغ ومناطق أخرى. قال السيد جين: "استفدت من تجربة العمل كثيرا، حيث أعجبت بكثير من التحف الخزفية الهامة لأسرتي مينغ وتشينغ، وعرفت كيفية كتابة الأطروحات الأكاديمية حول التحف الأثرية، وتمتعت بجمال الطلاء الزجاجي، وأدركت أهمية توارث ثقافة قومية هوي، والأهم أنني تعرفت إلى كثير من الأساتذة والعلماء ومتخصصي جمع التحف."
الخزف الصيني والثقافة الإسلامية
السيد جين مسلم من قومية هوي، وكان يذهب إلى المسجد مع جده جين تشونغ أن في صغره. وقد منحته السكينة والمهابة والصفاء في المسجد شعور انتماء خاصا. وفي ذلك الوقت، كان يعرف كيفية تقييم بعض التحف الخزفية، ووجد أن الكلمات المرسومة على الحاجز الصغير في قاعة الاستقبال لمسجد دونغسي في بكين جميلة، وقد أخبره جده أن تلك هي كلمات "الشهادتين" (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله). جذبت هذه الزينة الفنية نظره ووجد أنها تتمتع بخصائص التحف الخزفية لفترة الإمبراطور تشنغ ده (1506- 1521م) لأسرة مينغ. خلال الفترة التي قضاها في اليابان لإكمال الدراسة، اهتم بكمية غير قليلة من التحف الخزفية لفترة تشنغ ده والتي جُمعت في مختلف المتاحف المشهورة في العالم، وجمع عديدا من القطع الخزفية المصنوعة في بلدة جينغدتشن، بيعت إلى اليابان في أواخر فترة أسرة مينغ وأوائل فترة أسرة تشينغ. ومن المعروف أن الأعمال الخزفية الإمبراطورية لم تكن تصنع لتباع في الخارج، وإنما للاستخدام في البلاط، فهي تعكس ثقافة البلاط في ذلك الوقت. الأعمال الخزفية المزخرفة بالكلمات العربية والفارسية، التي ظهرت في فترة الإمبراطور تشنغ ده لأسرة مينغ، كانت للاستخدام في البلاط،، أما التي صنعت في الأسرات الأخرى، فكانت للتجارة الخارجية والاستخدام الشعبي.
قال السيد جين، "بعد أن عدت إلى الصين، بذلت جهودي في جمع وشراء القطع الخزفية المميزة بالعناصر الإسلامية، ذلك لأنني ابن قومية هوي، وأنا مسلم، على عاتقي مسؤولية توارث وتعظيم الثقافة القومية." حاليا، السيد جين مستشار أكاديمي لمجموعة جياتشيويياجي لجامعي الفخار والخزف، ومستشار أكاديمي لشركة سونغاري الصينية للمزادات، كما يعمل أستاذا زائرا لمشروع التذوق الفني بجامعة تشينغهوا. إنه ماهر في بحوث الأعمال الخزفية، يحفظ كل ما يراه من التحف الخزفية، ويعرف مصدر وقصة ومكان حفظ كل قطعة خزفية أثرية.
بالإضافة إلى البحوث واقتناء القطع الخزفية، يعمل السيد جين على نشر ثقافة الخزف الصينية والثقافة الإسلامية، فأقام معرض التحف الخزفية المحفوظة في صالون ليانغتشينغ الأدبي بفندق قويلي في بكين خلال الفترة من السادس عشر إلى التاسع عشر من ديسمبر عام 2017، حيث عُرضت الأعمال الخزفية الصينية المشهورة للفترة من أسرة سونغ إلى أسرة تشينغ (960-1911م)، والتحف الخزفية التي تعكس الثقافة الإسلامية، والقطع الخزفية المصنوعة في بلدة جينغدتشن الصينية والتي صُدرت إلى اليابان، ومجموعة من الأعمال الخزفية القديمة المصنوعة في كوريا الجنوبية. قال إنه نظم هذا المعرض من أجل عرض جمال الأعمال الخزفية الأثرية من مختلف الزوايا واكتشاف تاريخ ثقافة الخزف واحتفالا ببلوغه سن الأربعين.
وفي الثامن من يناير عام 2019، ألقى السيد جين محاضرة حول معلومات الخزف الأثري وعلاقته مع الثقافة الإسلامية أمام أبناء قومية هوي في منطقة نيوجيه ببكين، وحظي بترحيب حار من الجماهير. ينظم السيد جين ندوات للتمتع والتقييم والمناقشة للأعمال الخزفية القديمة في "صالون ليانغتشينغ الأدبي"، ويرحب بهواة جمع الآثار الخزفية لزيارة مكتبته ومشاركتهم في الندوات.