مسلمون صينيون < الرئيسية

لي هوا ينغ.. محبة الوطن والدين

: مشاركة
2021-06-17 11:33:00 الصين اليوم:Source هناء لي ينغ:Author

لا أحد تقريبا في أوساط الترجمة الصينية- العربية وأوساط المسلمين في الصين لا يعرف الشيخ لي هوا ينغ، المعروف أيضا باسم محمود يوسف. كان السيد لي مترجما خبيرا في مجلة ((الصين المصورة)) وله مساهمات بارزة في التبادلات الدولية للصين، وخاصة مع الدول العربية والإسلامية، فهو مسلم مخلص يكن حبا عميقا لوطنه وللقومية التي ينتمي إليها؛ قومية هوي التي يعتنق أبناؤها الإسلام. وهو شاهد على مسيرة تطور أبناء قومية هوي المسلمين في الصين المعاصرة. صدر له مؤخرا كتاب يستعرض فيه مسيرة دراسته وحياته الزاخرة بالعطاء والإنجازات، وعنونه بعبارة مأخوذة من كتاب صيني كلاسيكي، تتضمن مقطعين من اسمه؛ "ينغ" و"هوا". عنوان الكتاب هو ((هانينغ جيوهوا))، وقد يمكن ترجمته إلى ارتشاف عصارة الزهور، والمقصود هنا هو الانكباب على التفكير في خلاصة وروح الكتب أثناء القراءة.

النشأة في مسجد

وُلد الأستاذ لي هوا ينغ لأسرة مسلمة تقليدية في مدينة تشينيانغ بمقاطعة خنان في عام 1936. والده الإمام لي ون مينغ معلم الكتب الكلاسيكية الإسلامية في شرقي مقاطعة خبي وجنوب غربي مقاطعة شاندونغ. درس لي هوا ينغ على يد والده منذ صغره في الجامعة في مسقط رأسه. بفضل موهبته الطبيعية واجتهاده، أجاد علم الصرف وقواعد اللغة العربية، مما وضع أساسا راسخا لمسيرته المهنية. في عام 1955، التحق بالمعهد الصيني للعلوم الإسلامية بعد أن اجتاز دورة خاصة للغة العربية في معهد أبناء قومية هوي في بكين. حيث درس على يد أساتذة كبار مثل بانغ شي تشيان وما جي قاو وما وي تشي وجين ماو تشيوان وتشن كه لي، وكان من بين معلميه أربعة أساتذة مصريين. السيد لي هوا ينغ من الدفعة الأولى للطلاب الذين تلقوا التعليم الإسلامي الجديد في الصين، وقد درس القرآن الكريم والحديث الشريف والسُنَّة وتاريخ الدين الإسلامي والفلسفة الإسلامية واللغة العربية والعلوم الاجتماعية والأدب الكلاسيكي الصيني وغيرها. وجدير بالذكر هنا أن قادة الصين مثل ماو تسي تونغ وتشو أن لاي وتشو ده وتشن يون ودنغ شياو بينغ، استقبلوا الدفعة الأولى من خريجي المعهد الصيني للعلوم الإسلامية في عام 1957.

بعد تخرجه في المعهد الصيني للعلوم الإسلامية، لم يجد لي هوا ينغ عملا في بكين وجينان وتشنغتشو، فالتحق بوظيفة في مكتب بريد صغير في مقاطعة تشينغهاي التي تبعد عن بكين بنحو ألفي كيلومتر. كان من المؤسف أنه لا يستطيع استخدام وتطبيق ما تعلمه في عمله. ذات يوم في عام 1962، وفي قسم التوزيع بمكتب البريد الذي يعمل فيه، وقعت عينا لي هوا ينغ على سطر مكتوب على ورق تغليف الصحف: "قسم التحرير والترجمة لدار النشر باللغات الأجنبية"، فأضاء شعاع من الأمل في قلبه. على الفور، بدأ في ترجمة قصيدة بعنوان ((عيدنا الأعظم)) للشاعر خه تشي فانغ إلى اللغة العربية، وأرسلت الترجمة إلى دار النشر للغات الأجنبية في بكين. في ذلك الوقت، كانت الصين في حاجة ملحة إلى مترجمين بين اللغتين الصينية والعربية. الترجمة التي أرسلها السيد لي نالت إعجاب خبير لغة عربية سوري في دار النشر باللغات الأجنبية، فاقترح على قادة الدار استقدامه للعمل كمترجم، وهكذا بدأ حياته العملية في بكين في عام 1963. بعد العودة إلى بكين، أدرك لي هوا ينغ أن مستواه في الترجمة أضعف من زملائه، فبذل جهودا مضاعفة في العمل، وأنجز سلسلة من الأعمال المترجمة التي فازت بجوائز. في عام 1970، عُيّن مسؤولا للطبعة العربية لمجلة ((الصين المصورة))، حيث شارك في إصدار أكثر من أربعمائة عدد للمجلة، وتجاوز حجم أعماله المترجمة ثمانية ملايين مقطع صيني.

في عام 1983، انتخب لي هوا ينغ عضوا بالمجلس الأول للجمعية الصينية للمترجمين، وحصل على لقب أستاذ الترجمة رسميا في عام 1985، واختير عضوا في اللجنة الوطنية لتقييم الألقاب الرسمية للمترجمين لمدة خمس عشرة سنة. ويتمتع بعلاوة مجلس الدولة الخاصة للخبراء على المستوى العالي منذ عام 1992، ويعتبر خبيرا قدم مساهمات بارزة في قضية الصحافة والنشر والتوزيع للبلاد، ومنحته الجمعية الصينية للمترجمين لقب "المترجم الكبير" في عام 2006.

الغوص في الثقافة الإسلامية

بالإضافة إلى انهماكه في عمل الترجمة، اجتهد لي هوا ينغ في تعلم التحرير وتغطية الأخبار. في عام 1979، قررت دار مجلة ((الصين المصورة)) إصدار مقالة تعكس التاريخ الحقيقي والحالة الراهنة للمسلمين الصينيين على نحو شامل. كلف قادة دار المجلة لي هوا ينغ بهذه المهمة. سافر لي هوا ينغ مع زميله المصور تشن خه يي إلى منطقة شينجيانغ الويغورية الذاتية الحكم، حيث التقى مع المسؤولين الحكوميين وزار التجمعات السكنية للمسلمين ومساجد عديدة في شمالي وجنوبي شينجيانغ، وحصل على كمية كبيرة من المعلومات الحقيقية والصور الجميلة للمسلمين المحليين. ثم سافر إلى مدينة شيآن التي يعيش فيها عدد كبير من المسلمين منذ وقت طويل، لجمع المعلومات المعنية. وبعد عودته إلى بكين، واصل لي هوا ينغ زيارة المسلمين في العاصمة بكين، حتى أنجز كتابة مقالة بعنوان ((المسلمون الصينيون)) تم نشرها مع عشر صور رائعة في أربع صفحات في العدد الأول لمجلة ((الصين المصورة)) في عام 1980، الذي وُزع بإحدى وعشرين لغة في أكثر من مائة وعشرين دولة ومنطقة في العالم، وصدر منه مليون نسخة.

وعن العلاقة بين قومية هان والقوميات الإسلامية الأخرى، قال السيد لي هوا ينغ في مقالته

إن التبادلات الودية بين الصين والدول العربية متواصلة لم تشهد جفاء. وقد أحدثت هذه المقالة صدى قويا في داخل الصين وخارجها، حيث صحّح المغالطات التي روج لها الأجانب عن السياسة العرقية للصين وخاصة سياستها الدينية، وبيّن المساواة بين مختلف القوميات في الصين وحرية العقيدة للمواطنين الصينيين وسماح الحكومة الصينية بممارسة النشاطات الدينية الطبيعية. لقيت هذه المقالة إقبالا من كثير من المسلمين الصينيين لأنهم عرفوا التاريخ العريق لقومياتهم استفادة من هذه المقالة، وأكدوا على أن معتقداتهم الدينية سامية والحكومة تحترم النشاطات الثقافية والدينية للشعب من مختلف القوميات. إن صور مشاهد الاحتفال بعيد الأضحى في مسجد عيدكاه في كاشغر بمنطقة شينجيانغ، التي نشرت مع مقالة السيد لي، فندت أكاذيب الدول الغربية حينذاك بأن المسلمين الصينيين ينقرضون، وأثبتت أن الدين الإسلامي لم يختف في الصين، بل هو مستمر بشكل جيد، مما حسّن صورة الصين في دول العالم. وقد تلقى قسم التحرير لدار مجلة ((الصين المصورة)) رسائل عديدة من القراء العرب وقراء من الدول المسيحية والبوذية، الذين أعربوا عن تقديرهم للمقالة التي زادت معرفتهم الصحيحة عن الصين.

في الفترة من عام 1989 إلى عام 1993، أصدرت دار النشر باللغات الأجنبية ثلاثة كتب، كتبها السيد لي هوا ينغ وهي: ((المساجد في الصين)) و((الإسلام في الصين)) و((الشخصيات الإسلامية البارزة في الصين)). وشهدت هذه الكتب ترحيبا حارا من القراء العرب وخاصة العلماء والخبراء في معرض القاهرة الدولي للكتاب، وتمت إعادة طبعها.

في عام 2006، زار الشيخ ماي وانغ تشن، إمام قرية شوينانقوان بمحافظة تشينيانغ في مقاطعة خنان، السيد لي هوا ينغ لدعوته إلى تمييز المنقوشات على نصب قديم أُكتشف خلال ترميم المسجد القديم في هذه القرية المأهولة بأبناء قومية هوي في عام 1990، باعتباره خبيرا يجيد تاريخ قومية هوي واللغة العربية. في ذلك الوقت، كان لي هوا ينغ كبيرا في السن وأصيب بمرض في العين وصار بصره ضعيفا. ومع ذلك، عاد إلى مسقط رأسه للاستطلاع الميداني، واستخدم العدسة المكبرة الخاصة المزودة بمصباح صغير لمراجعة المعلومات، وشرع يكتب على جهاز الكومبيوتر بأكبر حجم من المقاطع، ثم يصغّر حجم الكتابة إلى الحجم الطبيعي، حتى أنجز تقريرين لدراسة الآثار، وهما ((تدقيق النصب القديم في محافظة تشينيانغ)) و((فُقدان ثم اسعادة "معلم" تاريخي هام لأبناء قومية هوي))، إضافة إلى ((البحث المبدئي في ينبوع تاريخ قومية هوي)) الذي يحتوي على ثلاثين ألف مقطع صيني. وفقا لاستطلاع الشيخ لي هوا ينغ، فإن نقش النصب عبارة عن معلومات تاريخية باللغة العربية تسجل تشكيل قومية هوي في وسط الصين، وهو شاهد تاريخي هام لتكوين قومية هوي في وسط الصين، ويجسد الفن المعماري العظيم وفن الخط الرائع وفن النقش الجميل للمسلمين الصينيين. وأثبت هذا النصب القديم أن قومية هوي قومية عريقة عظيمة، وثقافتها جزء من ثقافة الأمة الصينية. في عام 2013، أُدرج هذا النصب ذو النقش باللغة العربية في مسجد قرية شوينانقوان في قائمة الدفعة السابعة للمؤسسات الأثرية المحفوظة الهامة على المستوى الوطني.

علاوة على ذلك، كتب الأستاذ لي هوا ينغ ((ظروف وتأثيرات تشكيل الحضارة العربية- الإسلامية)) و((الرد على "نظرية الخطر الصيني" و"نظرية الخطر الإسلامي")) وغيرهما من المقالات ليفند "نظرية صدام الحضارات" وكشف المحاولة وراءها.

كتاب يجسد حياة ثرية

في نهاية مارس عام 2021، صدر كتاب ((هانينغ جيوهوا)) ضمن المؤلفات المختارة للأستاذ لي هوا ينغ في بكين. يجمع هذا الكتاب المقالات الهامة في أعماله حول التبادلات الدولية ومقالات حول علماء الإسلام المشهورين في الصين ومقدمات الكتب والمقابلات الصحفية له. هو كتاب يستعرض الحياة الزاخرة لهذا العالم المشهور من قومية هوي في الصين المعاصرة.

اسم هذا الكتاب "هانينغ جيوهوا" يجسد مسيرة الأستاذ لي هوا ينغ الذي كرس حياته وطاقته لقضايا وطنه وقوميته. حفظ الله الشيخ محمود يوسف لي هوا ينغ وبارك فيه.

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4