مسلمون صينيون < الرئيسية

هوابوتشيوان.. قرية لقومية هوي في العصر الجديد للصين

: مشاركة
2021-10-13 17:01:00 الصين اليوم:Source طه بنغ تشو يون:Author

قرية هوابوتشيوان الواقعة في جنوبي حي لوتشوانغ بمدينة لينيي في مقاطعة شاندونغ، هي أكبر تجمع سكني للمسلمين في شاندونغ، حيث يمثل أبناء قومية هوي المسلمون 95% من سكان هوابوتشيوان البالغ عددهم حوالي تسعة آلاف نسمة. يقال إن أبناء هوي بدأوا استيطان هذه القرية في أواسط فترة أسرة مينغ (1368- 1644)، مع قدوم المهاجرين والمغتربين من المدن والمقاطعات المجاورة. بعد تأسيس الصين الجديدة في عام 1949، شهدت هوابوتشيوان تغيرات وتطورات في شتى المجالات. ومثل التجمعات الأخرى لأبناء الأقليات القومية في البلاد، فإن هوابوتشيوان مليئة بالقصص التي تعكس جهود الصين، وخاصة في عصرها الجديد، في تعزيز التنمية الاقتصادية والتضامن القومي.

الطالب المتفوق صار متخلفا

قال شا تسون تشيانغ، المستشار التعليمي للجنة شوؤن قرية هوابوتشيوان: "أبناء هوابوتشيوان معروفون بحبهم للوطن واجتهادهم في العمل، وقد انضم أكثر من مائة فرد من أسلافنا إلى فرقة الجنود المسلمين بجيش التحرير الشعبي الصيني، وقدموا مساهمة كبيرة في معارك تحرير البلاد. وفي فترة الإعمار بعد تأسيس الصين الجديدة، لبى أبناء هوابوتشيوان دعوة الحكومة في حملة بناء البنية التحتية للبلاد، مثل حفر آبار وشق قنوات الري وفتح الأسواق. وفي تنفيذ سياسية الإصلاح والانفتاح منذ عام 1978، أبلى أبناء هوابوتشيوان بلاء حسنا، فهوابوتشيوان قرية نموذجية في حل قضية توفير الغذاء والملابس للمواطنين، وحصلت على العديد من الألقاب والجوائز، مثل "الوحدة النموذجية في التضامن القومي على نطاق البلاد" و"القرية النموذجية في سيادة القانون على مستوى مقاطعة شاندونغ."

في الفترة التي سميت بـ"عصر المعلوماتية" في أواخر تسعينات القرن العشرين، بدأت هوابوتشيوان تفقد بعض الخصائص التي ميزتها في الماضي، فظهرت مشكلات عديدة في إدارة القرية وأفكار وسلوكيات بعض أهلها. قال شا تسون تشيانغ: "جعل الرخاء المؤقت بعض أهل القرية متكاسلين فتراخوا عن مواصلة التقدم، ونسوا أن الحياة مثل الإبحار عكس التيار، إن لم تتقدم فلا بد أن تتأخر."

بعد أن فات هوابوتشيوان قطار التنمية السريع، تفشت المشكلات في كافة جوانب حياتها، فأهمل أهلها تعليم أبناء الجيل الجديد، وتخلى جم غفير من طلاب المدارس الثانوية والإعدادية عن الدراسة، ومرت سنوات عديدة من دون أن يلتحق طالب من القرية بالجامعة. ومن ناحية أخرى، ساءت أحوال الطرق الإسمنتية والمرافق الأخرى في القرية نتيجة الإهمال الإداري لأجهزة إدارة القرية، وعدم ترميمها والعناية بها، لدرجة أن سائقي سيارات الأجرة كانوا يرفضون الذهاب إلى هوابوتشيوان، بسبب سوء حالة طرق القرية. قال أحد أبناء القرية: "لا نبالغ إذا قلنا إن التراب والغبار كان يغطي القرية في الأيام المشمسة، بينما كان الطين يكسوها في الأيام الممطرة."

استمرت هذا الحال حوالي عشر سنوات، وكأن هوابوتشيوان قد تحولت من طالب نموذجي متفوق إلى طالب متخلف. كان أبناء هوابوتشيوان جميعا مستائين من هذا الوضع، ويتمنون الخروج منه، كانوا مثل الأرض القاحلة التي تنتظر الغيث، أو الغريق الذي ينتظر حبلا منقذا.

المطر يروي الأرض الجافة أخيرا

في شهر نوفمبر عام 2016، من أجل حل مشكلات إدارة قرية هوابوتشيوان وتحسين وضعها، وبعد الزيارات الميدانية والاختيارات الدقيقة، قررت حكومة حي لوتشوانغ تعيين تشن قوي تشنغ سكرتيرا للجنة الحزب الشيوعي الصيني في قرية هوابوتشيوان، فبدأت صفحة جديدة في تاريخ هذه القرية.

قال تشن قوي تشنغ: "أنا من أبناء هوابوتشيوان وترعرعت فيها. محبتي للقرية كانت تضاعف حزني على ما آلت إليه أحوالها والصعوبات والمشكلات التي تعاني منها. بصراحة، عندما جاء مسؤول الحكومة إلى بيتي ليقنعني بتحمل مسؤولية إدارة القرية، كنت مترددا أمام هذه المهمة الثقيلة، خشية أن أخيب أمل الحكومة وأهل القرية. وبعد تفكير عميق، قررت التخلي عن عملي ووافقت على أداء هذه الرسالة النبيلة. لا ينبغي لأبناء هوابوتشيوان الذين تتمتع قريتهم بأساس قوي من حيث الاقتصاد وعدد السكان ومساحة الأرض، أن يعيشوا في مثل هذه الفوضى بسبب ضعف الإدارة والتخطيط. وقد جعلت هدف عملي هو قيادة أبناء هوابوتشيوان لتغيير ملامح تخلف القرية وبنائها قرية جميلة ومتناغمة ومزدهرة ذات خصائص قومية هوي." وأضاف: "الشجرة الواحدة لا يمكن أن تصبح غابة، ولا يستطيع أحد أن ينجز الكثير بمفرده. شرعت في استقدام وجذب الأكفاء، ومن بينهم خريج جامعي، لإدارة القرية، كما تم استقدام خبير في الشؤون الريفية من خارج هوابوتشيوان. بقوة تضامن فريق العمل، بدأنا في حملة للنهوض بالقرية من حيث المضمون والمظهر."

بعد توليه قيادة قرية هوابوتشيوان، اتخذ السيد تشن تجديد البنية التحتية وتعزيز الأنشطة التعليمية والثقافية كمفتاح لأعمال أجهزة القرية.

تقدم السيد تشن وفريقه بطلب للحصول على الدعم المالي من الحكومات المحلية بمختلف المستويات، إضافة إلى جمع التبرعات من أبناء القرية، واستثمر أكثر من خمسين مليون يوان في "عشرة مشروعات" لتجديد البنية التحتية لقرية هوابوتشيوان، منها مشروع ترميم وإعادة تأهيل شوارع القرية الرئيسية والفرعية بمساحة أكثر من 120 ألف متر مربع، وتركيب أكثر من 1200 مصباح لإنارة الشوارع لحل مشكلة مواصلات القرية حلا جذريا، ومشروع تجديد مواسير مياه الشرب، ومشروع تعزيز الأمن العام للقرية من خلال تركيب أكثر من 200 كاميرا مراقبة، وإنشاء المركز الإلكتروني للإدارة الشاملة والذي يهدف إلى تعزيز الأمن العام والقيام بالوساطة في القضايا الاجتماعية بالقرية، فضلا عن مشروع نقاط جمع ومعالجة المخلفات لتحسين البيئة الإيكولوجية في القرية، ومشروع الارتقاء بمستوى المدرسة الابتدائية من خلال رفع كفاءة بنايات المدرسة وتحسين مستوى المعلمين، وغيرها من المشروعات في المجالات التي كان يشتكي أهل القرية منها.

في ناحية تعزيز الأنشطة التعليمية والثقافية، وباقتراح من شا تسون تشيانغ المستشار التعليمي للقرية، قام فريق تشن قوي تشنغ بإنشاء صندوق للتشجيع على التعليم في القرية، حيث يقدم منحا دراسية للطلاب الذين يجتازون اختبار القبول بالجامعات ويلتحقون بالتعليم الجامعي، ويعلق لوحات تقدير على بوابات بيوت العائلات التي تهتم بتعليم أبنائها. قال تشن قوي تشنغ: "تجرعنا المرارة كثيرا بسبب عدم الاهتمام بالتعليم، فلا ينبغي أن نجعل الجيل الجديد من أبنائنا يعاني مما واجهناه من صعوبات غير مبررة. أؤكد في كل مناسبة على أهمية التعليم، وأقول دائما لأبناء القرية إن الشخص الأكثر احتراما في قريتنا ليس صاحب المال وإنما صاحب العلم والمعرفة."

الخير لا يلد إلا خيرا

في عام 2020، طرح ما تشنغ ون، وهو رجل أعمال بالقرية يهتم بالأعمال الخيرية، مبادرة لإنشاء "دار النوايا الحسنة" في قرية هوابوتشيوان، والتي تسعى إلى جمع المتطوعين للقيام بالأعمال العامة في القرية، مثل المحافظة على النظافة والقيام بالدوريات الأمنية في القرية، وزيارة المسنين بانتظام ومساعدة المحتاجين، وخصوصا الطلاب ذوي الظروف العائلية الصعبة. بعد تفشي وباء كوفيد- 19، لعب أعضاء الدار دورا حاسما في تنفيذ الإجراءات الاحترازية على نطاق القرية، وقدمت دار النوايا الحسنة الخدمات التطوعية لأهل القرية مئات المرات منذ إنشائها، وحظيت بشكر وتقدير كبيرين من أهل القرية، وحصلت على لقب "أحسن فريق خدمات تطوعية على مستوى مدينة لينيي لعام 2020".

بفضل الجهود المتواصلة في السنوات الخمس المنصرمة، تغيرت ملامح قرية هوابوتشيوان بشكل غير مسبوق، فلحقت القرية بقطار تنمية العصر من جديد، بل وعوضت ما فاتها في مجال البنية التحتية والتخطيط العام. والأهم من ذلك، عادت ثقة أبناء هوابوتشيوان بأجهزة إدارة القرية واعتزازهم بقريتهم، وصاروا يتسابقون في المحافظة على سعمتها بالسلوكيات الحميدة والخدمات التطوعية.

في عام 2019، استشهد تشاو يونغ يي، وهو جندي إطفاء من قرية مجاورة لهوابوتشيوان، في عملية إطفاء حريق غابة "30 مارس" في ولاية ليانغتشو بمقاطعة سيتشوان. بعد سماع هذا الخبر الحزين، تبرع أبناء هوابوتشيوان بمبلغ 34665 يوانا على الفور، وقام  مسؤولو القرية بتسليم المبلغ إلى والديّ الجندي الفقيد نيابة عن أبناء القرية.

في فترة تفشي وباء كوفيد- 19، تبرع أهل هوابوتشيوان مرارا وتكرارا بالمال والمواد الغذائية والمستلزمات الطبية لأجهزة إدارة القرية ولمتطوعي "دار النوايا الحسنة"، مما ساعد قرية هوابوتشيوان على تحقيق "صفر نفقات عامة" في حملة مكافحة كوفيد- 19.

في شهر يونيو عام 2021، تعرضت عدة مدن في مقاطعة خنان لفيضانات نتيجة الأمطار الغزيرة التي تسببت في خسائر بشرية ومادية فادحة. عندما بثت المحطات التلفزيونية مشاهد المناطق المنكوبة، لم يجلس أبناء هوابوتشيوان أمام أجهزة التلفزيون، بل ذهبوا إلى الساحة العامة بالقرية للتبرع بالمال والمواد لمدن خنان المنكوبة، تلبية لدعوة الأجهزة الإدارية بالقرية. خلال يوم واحد، تم جمع 110 آلاف يوان (الدولار الأمريكي يساوي 5ر6 يوانات) من التبرعات، ومواد غذائية وقنينات مياه الشرب المعبأة بقيمة أكثر من 60 ألف يوان، وتولى متطوعو "دار النوايا الحسنة" مهمة تسليم هذه المواد في اليوم التالي إلى المنكوبين في مقاطعة خنان على دفعتين.

في السادس والعشرين من أغسطس في 2021، أقيم حفل التكريم التعليمي لعام 2021، في قاعة المناسبات بمدرسة طريق سانجيانغ النموذجية في قرية هوابوتشيوان، حيث أعلن شا تسون تشيانغ قائمة أسماء 23 طالبا من أبناء هوابوتشيوان التحقوا بالجامعات وأربعة طلاب تلقوا خطابات القبول لدراسة الماجستير في الجامعات. وإضافة إلى توزيع المنح الدراسية لهؤلاء الطلاب، قام تشن قوي تشنغ، نيابة عن أجهزة إدارة القرية، بمنح عشر عائلات بالقرية لوحات "الأسرة النموذجية في التعليم".

قصص العصر الجديد لا تنتهي

لم يتوقف أبناء هوابوتشيوان عند الوضع الراهن، بل يوسعون خطواتهم الثابتة نحو المستقبل المشرق تحت قيادة أجهزة إدارة القرية. حول خطة التنمية في المرحلة التالية، قال تشن قوي تشنغ: "بعد استطلاع آراء الخبراء والمناقشات مع أهل القرية، قررنا تعظيم مزايا هوابوتشوان باعتبارها قرية قومية، في تعزيز صناعة المنتجات الحلال والتجارة الدولية والسياحة الريفية ذات الخصائص القومية، من أجل تنفيذ توجيه الرئيس شي جين بينغ، القائل: 'في المسيرة الجديدة لبناء دولة اشتراكية حديثة على نحو شامل، لا ينبغي أن تكون أي قومية غائبة'."

في عام 2018، تم تعيين شا تسون تشيانغ، مستشارا تعليميا وثقافيا لقرية هوابوتشيوان، للإشراف على جمع وتأليف كتاب "تاريخ هوابوتشيوان". وقد تم العمل، انتظارا للطبع والنشر. قال تشن قوي تشنغ: "تم تسجيل تاريخ القرية الممتد لمائتي عام بشكل عام، وتاريخها بعد تأسيس الصين الجديدة بشكل خاص. يمثل هذا الكتاب هدية لأبناء القرية والأجبال اللاحقة، ليفهموا ويستفيدوا من مسيرة القرية بحلوها ومرها خلال تاريخها الطويل، ومن ثم يحرصون على ما وصلنا إليه اليوم. قصص هوابوتشيوان لا تنتهي، وستكون أكثر روعة في العصر الجديد للصين. أنا على ثقة تامة بذلك."

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4