((الصين اليوم)): في البداية، نشكركم على التكرم بقبول إجراء هذا الحوار، ودعنا نبدأ بتقديم نبذة عنكم وعن معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة شانغهاي للدراسات الدولية.
د. دينغ جيون: بادئ ذي بدء، أنا سعيد بهذا الحوار مع ((الصين اليوم)). اسمي دينغ جيون (أحمد لطيف)، أشغل حاليا منصب مدير معهد دراسات الشرق الأوسط في جامعة شانغهاي للدراسات الدولية، رئيس تحرير الطبعة الصينية لمجلة ((دراسات العالم العربي))، والطبعة الإنجليزية لـ((المجلة الآسيوية للدراسات الشرق أوسطية والإسلامية))، إضافة إلى أنني عضو بالمؤتمر الاستشاري السياسي بمدينة شانغهاي ونائب رئيس الجمعية الإسلامية بمدينة شانغهاي.
تأسست جامعة شانغهاي للدراسات الدولية في سنة 1949، كجامعة رئيسية على المستوى الوطني، وتخضع لإشراف وزارة التعليم ويتم تطويرها بالتعاون بين وزارة التعليم وحكومة مدينة شانغهاي. أما معهد دراسات الشرق الأوسط بالجامعة، فقد تأسس في سنة 1980، وهو مؤسسة بحثية متخصصة ذات تأثير أكاديمي هام، حيث تم اعتماده من قبل وزارة التعليم في عام 2000 كقاعدة بحثية رئيسية في العلوم الإنسانية والاجتماعية. يعمل المعهد منذ فترة طويلة على بناء تخصص دراسات الشرق الأوسط والدراسات العربية ذات الخصائص الصينية، حيث يلتزم المعهد بمتابعة ودراسة قضايا الشرق الأوسط من منظور صيني، ولا مجال لاستخدام النظريات الغربية في تقديم تفسير وشرح حول الصين أو الشرق الأوسط. على مدى سنوات، يتواصل المعهد ويجري تبادلات أكاديمية مع المؤسسات البحثية في العديد من الدول الأجنبية، ومنها الدول العربية.
((الصين اليوم)): من المعروف أنكم خبير في دراسات التاريخ والثقافة العربية، فنرجو أن تستعرض لنا موجز مسيرتكم العلمية.
د. دينغ جيون: درست في الجامعة المركزية للقوميات في بكين وجامعة بكين وجامعة شانغهاي للدراسات الدولية، كما درست وعشت سنوات عديدة في عدد من الدول العربية. درست على يد البروفيسور تشو وي ليه (عبد الجبار) أثناء دراستي في جامعة شانغهاي للدراسات الدولية لنيل درجة الدكتوراه. ومن المعروف أن البروفيسور تشو وي ليه خبير مرموق في الدراسات العربية، وكان من طلاب الأستاذ الكبير ما جيان (محمد مكين) في جامعة بكين. لم يكن البروفيسور تشو وي ليه يقدم لي التوجيه والتدريب الأكاديمي فحسب، وإنما أيضا كان يحدثني دائما عن مساهمات الأستاذ ما جيان في التعاون الصيني- العربي، وقد شجعني على التعلم وتوارث روح الأستاذ ما جيان في حب الوطن وتفانيه الأكاديمي، للتمسك بالتقاليد الأكاديمية السامية، وتحمل مهمة العصر لمواصلة التبادلات الثقافية بين الصين والدول العربية.
بفضل توجيه وتشجيع البروفيسور تشو وي ليه، سرت على الدرب الأكاديمي تدريجيا، حيث واصلت إجراء البحوث في المجالات المعنية، بإصدار سلسلة من الكتب الأكاديمية، مثل ((جولات في الثقافة الإسلامية))، و((تاريخ العرب وثقافتهم))، و((المنهج التاريخي لتعليم اللغة العربية في الصين))، و((دراسات نقدية حول تيار الوسطية الإسلامية المعاصرة))، إضافة إلى أكثر من مائة ورقة بحثية أكاديمية، كما قمت بالإشراف والمشاركة في أكثر من عشرة مشروعات بحث علمي على المستوى الوطني والإقليمي والوزاري، وفازت بعض أعمالي بجائزة الإنجاز المتميز للفلسفة والعلوم الاجتماعية على مستوى شانغهاي وعلى مستوى وزارة التعليم.
((الصين اليوم)): في رأيكم، ما هي النقاط المشتركة بين الحضارتين الصينية والعربية؟ وما هو الأصل التاريخي والضرورة العملية للتعلم المتبادل بينهما؟
د. دينغ جيون: تزخر الحضارتان الصينية والعربية بكنوز من الفلسفة والحكمة، ويجمع بينهما العديد من القيم المتشابهة والموحدة، مثل الدعوة إلى السلام والعدالة والتمسك بالوسطية والتسامح والتشجيع على طلب العلم والمعرفة. إذا نظرنا إلى الوراء في التاريخ، فإن هاتين الحضارتين التقتا وتلاقحتا عبر طريق الحرير البري وطريق الحرير البحري، وكتبتا فصلا رائعا لـ"التعارف من دون تصادم، والامتزاج عبر التواصل" في تاريخ الحضارة الإنسانية. إن الانتشار الواسع للمقولة العربية القديمة "اطلبوا العلم ولو في الصين" في الشرق الأوسط، لا يعكس إعجاب العرب بالحضارة الصينية فحسب، وإنما أيضا يحفز أبناء العرب على القدوم إلى الصين منذ قديم الزمان وحتى يومنا هذا، للقيام بأعمال التجارة والدراسة، بل إن منهم من استقروا في الصين ولم يرجعوا إلى مواطنهم الأصلية، فصاروا جسرا طويل الأمد للتبادلات الحضارية بين الصين والدول العربية.
حاليا، وبينما الصين دخلت في عصر جديد تشهد فيه تطورا سريعا وتقرب من مركز المسرح العالمي، تتطور العلاقات الصينية- العربية بسرعة، فقد أقام الجانبان شراكة تعاون وتنمية إستراتيجية شاملة وموجهة نحو المستقبل. تشهد التبادلات الحضارية بين الصين والدول العربية مزيدا من التوسع والتعمق، كما أن المغزى العصري والقيمة المثالية للتواصل والتعلم المتبادل بين الحضارتين تصبح أكثر بروزا. في عالم اليوم، نشهد ظهور نظريات خاطئة مختلفة مثل "صراع الحضارات" والحضارة المتفوقة" و"التهديد الصيني" و"الإسلامفوبيا". في مواجهة تحديات العصر، تلتزم الصين والدول العربية بتجاوز الحواجز الحضارية من خلال التبادل الحضاري، وتجاوز صراع الحضارات من خلال التعلم المتبادل، وتجاوز نزعة التفوق الحضاري بالتعايش بين الحضارات. في كلمته الهامة بجامعة الدول العربية، أثناء زيارته لمقر الجامعة في سنة 2016، قال الرئيس الصيني شي جين بينغ: "لكل من الحضارة الصينية والحضارة العربية خصوصياتها ونظامها، غير أن كلا منهما تحتوي على مفاهيم ومساعي مشتركة تراكمت خلال مسيرة تقدم وتطور البشرية، وتؤمن كلتاهما بقيم الوسطية والوئام والسلام والوفاء والتسامح والانضباط الذاتي. فيجب علينا إجراء الحوار بين الحضارتين والحث على قبول الغير والتعلم المتبادل، والعمل معا على إحياء مزيد من القيم الإيجابية في ثقافتنا وتقاليدنا القومية الأصيلة التي تتماشى مع عصرنا اليوم. إن المناطق على امتداد "الحزام والطريق" هي مناطق يزدهر وينشط فيها التواصل الإنساني والثقافي، الذي يُعرف بقوته الناعمة ودوره الدؤوب في تعزيز التفاهم بين الشعوب." الآن، تسعى الصين والدول العربية في بناء رابطة التنمية المشتركة من خلال البناء المشترك العالي الجودة لـ"الحزام والطريق"، وبناء رابطة الصحة المشتركة من خلال التعاون في مكافحة جائحة كوفيد- 19، وبناء رابطة مشتركة للإنسانية من خلال إجراء التبادلات الحضارية، لتقديم المساهمات الصينية- العربية في قضية بناء رابطة المصير المشترك للبشرية. إن التنمية السلمية هي الطموح المشترك للشعبين الصيني والعربي. في عام 2017، وبمبادرة الرئيس شي جين بينغ، تم تدشين "مركز الدراسات الصيني- العربي للإصلاح والتنمية" في جامعة شانغهاي للدراسات الدولية، الذي أتشرف بأنني أستاذ كرسي فيه. نظم المركز حتى الآن، عشر دورات دراسية لمسؤولي الدول العربية. أثناء التبادلات مع أعضاء تلك الدورات، أسمع منهم دائما تقديرهم العالي لإنجازات الصين في التنمية والتضامن بين أبناء القوميات المختلفة.
((الصين اليوم)): ملف المسلمين الصينيين أحد محاور التقارير الكاذبة عن الصين في وسائل الإعلام الغربية. بصفتكم نائب رئيس الجمعية الإسلامية بمدينة شانغهاي، كيف ترى أحوال المسلمين الصينيين في العصر الجديد؟ ما هي مشاركتهم في بناء المجتمع وتحقيق النهضة العظيمة للأمة الصينية؟
د. دينغ جيون: يصادف هذا العام الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني الذي جذبت إنجازاته العظيمة خلال قرن من النضال انتباه العالم. إن التمسك بسياسة المساواة بين القوميات وحرية الاعتقاد الديني يمثلان تجربة هامة وناجحة للحزب الشيوعي الصين في حكم البلاد، ويوفر ضمانة متينة لاستقرار البلاد وتنميتها. هذه السياسة لا تحظى بدعم الشعب الصيني من كافة القوميات فحسب، وإنما أيضا ثبت نجاحها من خلال الممارسات الطويلة المدى. إن القوى الغربية المعادية للصين، تتجاهل الحقائق وتهاجم وتشوه الصين في مجال الدين والقوميات، وتحاول عبثا تقويض الاستقرار الاجتماعي والوحدة بين القوميات في الصين، بل تفريق وتقسيم المجتمع الصيني، من أجل عرقلة تنمية الصين السلمية، مع ذلك، لن تنجح هذه المحاولات أبدا.
حب الوطن سمة فطرية للمسلمين الصينيين. في التاريخ، وفي كل مرة تعرضت فيها الصين لأزمة، كان مسلمو الصين يقفون جنبا إلى جنب مع المواطنين الآخرين من مختلف القوميات لمواجهة المحن والتحديات، ويكافحون لحماية الوحدة الوطنية والتضامن بين القوميات. على مدى القرن الماضي، يتبع مسلمو الصين دائما خطى الحزب الشيوعي الصيني في قضايا البلاد بمختلف المراحل، سواء في أيام الثورة والبناء أو الإصلاح. قدم مسلمو الصين مساهمات بارزة في الثورة الصينية وبناء الدولة، تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني. في العصر الجديد، يواكب مسلمو الصين خطوات التنمية والتقدم، ويعززون باستمرار الشعور بالانتماء للأمة الصينية، لتقديم مساهمات جديدة ومستمرة في تحقيق الحلم الصيني والنهضة العظيمة للأمة الصينية.
إن رفع راية الوطنية عاليا والدعوة إلى روح السلام والوحدة والتسامح هي من التقاليد الرائعة للأوساط الإسلامية في كل أنحاء البلاد، بما فيها شانغهاي، حيث ظهر فيها العديد من المسلمين المعروفين بحبهم للوطن. على سبيل المثال، في فترة الحرب ضد الغزو الياباني، سافر الإمام دا بو شنغ (نور محمد) إلى دول الشرق الأوسط على نفقته وشرح على نطاق واسع القضية العادلة للشعب الصيني في حرب المقاومة ضد الغزو الياباني. كما رافق الإمام دا بو شنغ رئيس مجلس الدولة الراحل تشو أن لاي، كمستشاره في الشؤون الدينية، إلى مؤتمر باندونغ الشهير، وقدم مساهمات للصين الجديدة في مجال الدبلوماسية الإنسانية. إن الجمعية الإسلامية بمدينة شانغهاي بصفتها منظمة وطنية، تلعب دور الجسر للحزب والحكومة للتواصل مع المسلمين لسنوات عديدة. تسعى الجمعية لخدمة الوضع العام للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في شانغهاي، إضافة إلى تعزيز التبادلات والتكامل بين أبناء القوميات المختلفة، والمشاركة في التبادلات الثقافية لشانغهاي مع الخارج، لتبين للمجتمع الدولي الملامح الجديدة لتضامن وتقدم القوميات المختلفة في الصين.
((الصين اليوم)): ما هي مزايا مسلمي الصين في تعزيز التفاهم والتبادلات الإنسانية بين الشعبين الصيني والعربي؟ وماذا يمكن أن يفعلوا؟
د. دينغ جيون: على مدى سنوات التاريخ الطويلة، لعب مسلمو الصين دورا هاما وقدموا مساهمات فريدة في تعزيز التبادلات الودية بين الشعبين الصيني والعربي. لقد قام البحار الصيني المسلم الشهير تشنغ خه بسبع رحلات إلى الغرب، وزار العديد من المناطق العربية. إن إنجازاته العظيمة مازالت تحظى بثناء الناس حتى الآن. في فترة أسرتي مينغ وتشينغ (من القرن الـ17 إلى القرن الـ19)، قام عديد من العلماء المسلمين الصينيين بتأليف الكتب التي دمجت بها الثقافة الصينية التقليدية مع الفلسفة الإسلامية العربية، وأكدت أن أصول "الإسلام والكونفوشية، واحدة ولا يختلفان في المبادئ"، وكلاهما من "الطرق التي تحمل غاية العدالة والاستقامة والسلامة". لقد ارتقى التواصل والتعلم المتبادل بين الحضارتين الصينية والعربية إلى مستوى التفكير الفلسفي، فلا يقتصر الأمر فقط على تعميق التواصل والتعلم المتبادل بين الحضارتين، وإنما يتوسع الى تعزيز المسار التاريخي لقضية توطين الإسلام في الصين. وقد أشار شي جين بينغ، في كلمته أمام الجلسة الافتتاحية لمنتدى حوار الحضارات الآسيوية عام 2019، إلى "التواصل بين الإسلام والكونفوشية". في أوائل القرن العشرين، سافرت مجموعات من الطلاب المسلمين الصينيين، وفي مقدمتهم الأستاذ الكبير ما جيان إلى مصر لمواصلة الدراسة، وأقاموا مرة أخرى جسرا للتواصل والتعلم المتبادل بين الحضارتين الصينية والعربية، حيث قدموا الثقافة الصينية إلى العالم العربي وشرحوا قضية الصين العادلة في محاربة الغزو الياباني. السيد ما جيان ترجم أيضا كتاب "الحوار" لكونفوشيوس إلى اللغة العربية، ونشره في القاهرة، مما أتاح هذا الكتاب الثقافي الصيني الكبير لأول مرة للقراء العرب.
بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية، دخلت الاتصالات الدولية للمسلمين الصينيين حقبة تاريخية جديدة، تمثلت في التوسع المستمر والارتقاء الملحوظ في مجالات ومستويات الاتصال مع الخارج. اليوم، ومع دخول الصين مع دول العالم الأخرى عصرا جديدا لبناء "الحزام والطريق" ورابطة المصير المشترك للبشرية، يقوم مسلمو الصين بتبادلات دولية بمزيد من النشاط والانفتاح والثقة بالذات لتعزيز اتصالاتهم وصداقتهم مع شعوب كل دول العالم، بما فيها الدول العربية، ويقدمون مساهمات جديدة في تعزيز التواصل والتعلم المتبادل بين الحضارة الصينية والحضارات الأجنبية.
©China Today. All Rights Reserved.
24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037