((الصين اليوم)): السلام عليكم، الإمام عثمان يانغ، شكرا لفضيلتكم على التكرم بقبول إجراء هذا الحوار، وأرجو أن تتفضل بتقديم نبذة عنكم وعن مسيرتكم العملية وعن مسجدكم.
الإمام عثمان: وعليكم السلام ورحمة الله. أولا، أنا سعيد جدا بهذا الحوار مع مجلة ((الصين اليوم))، والذي يواكب مناسبة مهمة في هونغ كونغ وهي نجاح إجراء انتخابات المجلس التشريعي لهونغ كونغ. اسمي يانغ شينغ بن (عثمان)، ولدت ونشأت في مقاطعة شاندونغ، مسقط رأس كونفوشيوس. تلقيت التنوير الإسلامي على يد والدي الذي كان إمام مسجد محترما. بعد إنهاء دراستي في المرحلة الثانوية عام 1984، التحقت بالمعهد الصيني للعلوم الإسلامية، حيث تلقيت فيه التعليم النظامي للعلوم الإسلامية، ثم سافرت إلى إسلام آباد عاصمة باكستان في عام 1988 لمواصلة دراسة الشريعة الإسلامية. في نهاية عام 1993، تلبية لدعوة الاتحاد الإسلامي بهونغ كونغ، وبعد الحصول على الدعم والموافقة من كل من الجمعية الإسلامية الصينية والمصلحة الوطنية للشؤون الدينية، ذهبت إلى هونغ كونغ للعمل كمعلم لتلاوة القرآن واللغة العربية، ثم عملت في نفس الوقت إماما بمسجد عمار ومركز عثمان رمجو صادق الإسلامي منذ شهر يونيو عام 1994 حتى الآن.
إضافة إلى تحمل المهمات الإسلامية، يشرفني أنني واحد من عشرة أعضاء مسلمين في لجنة الانتخابات بهونغ كونغ والتي تقوم بترشيح وانتخاب المرشحين لمنصب الرئيس التنفيذي وبعض أعضاء المجلس التشريعي. كما أشغل منصب عضو لجنة الاستئناف بإدارة الخدمات الإصلاحية التابعة لحكومة هونغ كونغ، وهي الجهاز المسؤول عن شؤون السجون والسجناء، لضمان حقوق المسلمين المعنيين.
((الصين اليوم)): هل لكم أن تحدثنا عن الإسلام والمسلمين في هونغ كونغ وعلاقتهم مع مسلمي بر الصين الرئيسي؟
الإمام عثمان: يرجع تاريخ الإسلام في هونغ كونغ إلى ما قبل انفتاحها في منتصف القرن التاسع عشر. البحارة والملاحون المسلمون من أوائل من أتوا بالإسلام إلى هونغ كونغ. في بداية فترة الاستعمار البريطاني، كان هناك عدد ملحوظ من المسلمين بين رجال الشرطة من الأصول الهندية، كما جاء في نفس الوقت مسلمون من بر الصين الرئيسي من أجل الأعمال التجارية. المسجد الجامع (Jamia Mosque) هو أول مسجد بُني في هونغ كونغ. يرجع تاريخ بناء هذا المسجد، المعروف أيضا باسم مسجد شارع شيلي، إلى سنة 1849، وقد أُدرج في قائمة البنايات التاريخية المحمية من الدرجة الأولى على مستوى منطقة هونغ كونغ.
بعد أن صارت هونغ كونغ مركزا عالميا للتجارة والأعمال اللوجستية في القرن العشرين، كثر عدد المسلمين الذين وفدوا إليها من أنحاء العالم، خصوصا من بر الصين الرئيسي، ودول جنوب شرقي آسيا مثل إندونيسيا والفلبين وماليزيا، حيث أسسوا تجمعات خاصة لهم أقاموا فيها المساجد. إضافة إلى المسجد الجامع، توجد أربعة مساجد أخرى في هونغ كونغ، وهي مسجد كولون الذي بُني في عام 1896، ومسجد ستانلي الذي بُني في عام 1937، ويقع داخل سجن ستانلي، حيث كان مصلى خاصا للموظفين المسلمين بالسجن، ومسجد تشاي وان الذي بُني في عام 1963، والذي تحول من مصلى لصلاة الجنازة في مقبرة، ومسجد عمار الذي أعمل حاليا إماما فيه، ويرجع تاريخ بنائه إلى سنة 1981، وله اسم أخر أيضا هو مركز عثمان رمجو صادق الإسلامي، وذلك لتخليد ذكرى الحاج عثمان رمجو صادق، الرئيس الأسبق للاتحاد الإسلامي في هونغ كونغ. إضافة إلى أن هناك مقبرتين للمسلمين في هونغ كونغ. مجلس أمناء موارد جالية هونغ كونغ الإسلامية الذي يتألف من أربع جمعيات إسلامية، هو المسؤول عن إدارة وتنسيق شؤون المساجد ومقابر المسلمين.
بالنسبة لعدد المسلمين في هونغ كونغ، لا يوجد إحصاء دقيق ورسمي لهم. لكن حسب بيانات تعداد السكان لعام 2016، والبيانات المعلنة بشأن الجاليات المسلمة من قِبَل عديد من قنصليات الدول الأجنبية، يعيش أكثر من ثلاثمائة ألف مسلم في هونغ كونغ، ترجع أصول غالبيتهم إلى بر الصين الرئيسي، في حين أن عدد أبناء الجالية الإندونيسية هو الأكثر بين الجاليات المسلمة المغتربة.
شأن مسلمي هونغ كونغ كشأن مسلمي بر الصين الرئيسي في المشاركة الاجتماعية في الأوساط المختلفة، والتمتع بأجواء التنوع الثقافي والتسامح، من بينهم رجال الشرطة والمحامون والأطباء ورجال الأعمال، وهم يعتزون بهويتهم المسلمة، ويحظون بمعاملة متساوية مع الآخرين في بناء المجتمع المزدهر وفي الحقوق المقررة.
تولي حكومة منطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة دائما أهمية لشؤون المسلمين، حيث توفر تسهيلات كثيرة في الشؤون المتعلقة بمصالح مسلمي هونغ كونغ، سواء في دعم إنشاء المدارس بمناهج التعليم الإسلامية، أو في إصدار شهادة "حلال" للمطاعم الإسلامية المتزايدة.
بالنسبة للعلاقة بين المسلمين في هونغ كونغ وبر الصين الرئيسي، يمكن القول إن الشعور بالانتماء للأمة الصينية والأخوة الإسلامية، جعلنا كجسد واحد منذ ظهور المسلمين في هذه الأرض، فقبل تأسيس جمهورية الصين الشعبية، كانت هونغ كونغ محطة مرور وفود المسلمين من بر الصين الرئيسي إلى مكة المكرمة لأداء مناسك الحج والعمرة، وإلى مصر والدول العربية الأخرى لمواصلة دراسة العلوم الإسلامية. وقد سجل كثير من العلماء المسلمين الصينيين، بمن فيهم الشيخ دا بو شنغ (نور محمد) والشيخ وانغ جينغ تشاي (سعيد إلياس) والشيخ ما سونغ تينغ (عبد الرحيم)، ذكرياتهم حول هونغ كونغ في كتبهم أو مذكراتهم. وقد تعززت العلاقة بين مسلمي هونغ كونغ وبر الصين الرئيسي بمرور العصور.
بعد عودة هونغ كونغ إلى الوطن الأم، زاد التواصل أضعافا بين مسلمي هونغ كونغ وبر الصين الرئيسي وبأشكال متعددة، وبمستويات مختلفة حكوميا وشعبيا، حيث توجد آليات تواصل بين المنظمات الإسلامية بهونغ كونغ والجمعيات الإسلامية ببر الصين الرئيسي، لتنظيم الزيارات المتبادلة وإقامة المناسبات. في كل مرة أصيب فيها بر الصين الرئيسي بالكوارث الطبيعية مثل الفيضانات أو الزلازل، كان مسلمو هونغ كونغ من أكثر الناس حماسة في المشاركة في حملات التبرع بالمال والمواد والمستلزمات لإخوتهم في المناطق المنكوبة.
العلاقة الوثيقة بين مسلمي هونغ كونغ وبر الصين الرئيسي، نالت ثناء عاليا وتقديرا كبيرا من قِبَل أجهزة الحكومة المركزية، الأمر الذي يشجعنا على تعزيز التبادلات وفتح مجالات تعاون جديدة، لمواصلة تحقيق الإنجازات.
((الصين اليوم)): فضيلتكم كممثل بارز لمسلمي هونغ كونغ، قد شهدتم هونغ كونغ قبل وبعد عودتها إلى الوطن الأم، هل لكم أن تقدم لنا كيف يدعم مسلمو هونغ كونغ حكومة منطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة في تنفيذ سياسة "دولة واحدة ونظامان" تحت قيادة حكومة الصين المركزية؟ وماذا عن دورهم في حماية استقرار وأمن هونغ كونغ في السنوات الأخيرة تحديدا؟
الإمام عثمان: في الأول من يوليو عام 1997، بعد أكثر من قرن ونصف من تقلبات العصور، عادت هونغ كونغ إلى أحضان الوطن الأم أخيرا، حيث فُتِح فصل جديد لتاريخ هونغ كونغ منذ ذلك الحين. على مدار أكثر من أربع وعشرين عاما، مرت هونغ كونغ برحلة غير عادية. التزمت الحكومة المركزية بثبات بمبادئ "دولة واحدة ونظامان" والحكم الذاتي العالي الدرجة، وتطبيق القانون الأساسي فعليا في هونغ كونغ؛ لؤلؤة الشرق. تحت دعم واهتمام الحكومة المركزية، صمد أبناء هونغ كونغ من مختلف الأوساط الاجتماعية وكافة دروب الحياة أمام الأزمة المالية الآسيوية ووباء سارس وغيرهما من التحديات القاسية، وحققت هونغ كونغ فيها استئناف المسار الاقتصادي الطبيعي سريعا، وأظهرت العلاقة التكاملية بين هونغ كونغ وبر الصين الرئيسي، مما عزز الشعور المتزايد بانتماء أبناء هونغ كونغ إلى الوطن الأم. لسنوات عديدة، يتمسك مسلمو هونغ كونغ بحب الوطن وهونغ كونغ والإسلام، ويدعمون سياسة "دولة واحدة ونظامان" ويمضون قدما بالتقاليد الإسلامية الرفيعة، خلال ممارسة الشؤون الدينية وإقامة المشروعات التعليمية والخيرية الاجتماعية، من أجل خدمة المجتمع وتحقيق النفع والخير للناس. قدم مسلمو هونغ كونغ مساهمات تاريخية مهمة في الانتقال السلس والعودة السليمة لهونغ كونغ. منذ عودة هونغ كونغ إلى الوطن الأم، تتعاظم الروح الوطنية في الأوساط الإسلامية على نحو غير مسبوق، حيث يؤيد مسلمو هونغ كونغ بوضوح مبدأ "دولة واحدة ونظامان"، ويدعمون بقوة الرئيس التنفيذي لمنطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة في الحكم وفق القانون، ويشاركون بنشاط في مختلف شؤون مجتمع هونغ كونغ، ويخلقون أجواء متناغمة مع معتنقي الأديان الأخرى، ويقدمون مساهمات جديدة لازدهار واستقرار وتنمية هونغ كونغ المستدامة.
في السنوات الأخيرة، مع تزايد تدخل القوى الأجنبية في شؤون هونغ كونغ، تصاعدت بصورة تدريجية الأنشطة العنيفة وغير العقلانية تحت ستار ما يسمى بحماية حرية وديمقراطية هونغ كونغ. وخصوصا بعد حادثة" تعديل قانون المجرمين الهاربين" في عام 2019، أصبحت القوى المعارضة لحكومة هونغ كونغ والحكومة المركزية الصينية أكثر عدوانية، وارتكبت بعض عناصر القوى المعارضة جرائم عنيفة لدرجة أنها ارتكبت أعمال إرهاب داخلي، وهذا لم يجلب الفوضى والمصائب الكبيرة لمجتمع هونغ كونغ فحسب، وإنما أيضا حوّل إلى حد ما هونغ كونغ المتميزة بالاستقرار والحكم وفقا للقوانين، إلى منطقة خطيرة.
أمام هذا الوضع القاسي، وقف جميع مسلمي هونغ كونغ بثبات بجانب حكومة هونغ كونغ بقيادة الحكومة المركزية، كما فعل مسلمو الصين مع حكومتهم في كل مرة من الأزمات والمحن. حيث نوضح موقفنا الصارم بمقاطعة كل السلوكيات التي تمس استقرار هونغ كونغ وأمنها وسلامة أراضي الوطن. بفضل الله تعالى، في تلك الأيام السوداء، لم يظهر أحد من المنظمات الإسلامية في مظاهرات المعارضين الفاشلين.
في التاسع والعشرين من مايو 2020، عقب موافقة المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني بأغلبية ساحقة على "قرار المجلس الوطني لنواب الشعب بشأن إنشاء وتحسين النظام القانوني وآلية التنفيذ في منطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة للمحافظة على الأمن الوطني"، نشرت خمس منظمات إسلامية بهونغ كونغ في جرائد هونغ كونغ الرئيسية، إعلانا مشتركا بشأن دعمها لقرار المجلس الوطني لنواب الشعب، من أجل حماية الاستقرار والتنمية الطويلة المدى لهونغ كونغ في ظل سياسة "دولة واحدة ونظامان".
يمثل التاسع عشر من ديسمبر عام 2021، يوما كبيرا ومهما للغاية بالنسبة لهونغ كونغ، حيث بدأت فيه انتخابات المجلس التشريعي للمنطقة الإدارية الخاصة الذي يتكون من تسعين نائبا، منهم أربعون تنتخبهم لجنة الانتخابات التي تضم 1500 عضو من الأوساط المختلفة، والتي يشرفني أن أكون واحدا من أعضائها مع تسعة مسلمين آخرين. إنه ليس حدثا مهما في تحسين النظام الانتخابي لهونغ كونغ فحسب، وإنما أيضا يرمز إلى بداية جديدة للديمقراطية الفعلية ذات النطاق الأوسع في هونغ كونغ. حسب ما ذكرنا أعلاه، يمكن القول بكل فخر، إن مسلمي هونغ كونغ شاهدون وصانعون لاستقرار وازدهار لؤلؤة الشرق التي لن يخفت بريقها أبدا.
©China Today. All Rights Reserved.
24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037