((الصين اليوم)): السلام عليكم الأستاذ وانغ شو لي. في البداية، نشكركم على تفضلكم بالحديث إلى قراء ((الصين اليوم))، ونود أن تقدم نفسك والجمعية الإسلامية بمقاطعة شاندونغ لهم.
وانغ شو لي: وعليكم السلام ورحمة الله. يسرني جدا أن أتحدث إلى القراء العرب من خلال مجلة ((الصين اليوم))، لأقدم أحوال مسلمي مقاطعة شاندونغ. اسمي وانغ شو لي (عثمان)، رئيس الجمعية الإسلامية بمقاطعة شاندونغ، ونائب رئيس الجمعية الإسلامية الصينية، كما يشرفني أن أكون عضو المجلس الوطني الثالث عشر للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني.
تأسست الجمعية الإسلامية بمقاطعة شاندونغ في شهر مايو عام 1964. وباعتبارها منظمة دينية اجتماعية على مستوى المقاطعة، تمثل الجمعية مسلمي شاندونغ من كافة القوميات. تلتزم الجمعية بالدستور الوطني والقوانين واللوائح والسياسات المعنية، وتعمل على توحيد قوة مسلمي شاندونغ في دعم النظام الاشتراكي بقيادة الحزب الشيوعي الصيني، باتخاذ طريق المواءمة بين الإسلام والمجتمع الاشتراكي. تعمل الجمعية على توارث التقاليد الإسلامية المجيدة في حب الوطن والإسلام، استنادا إلى مبادئ الإسلام الوسطية التي تتمثل في تقوى الله وحسن المعاملة مع الآخرين، والسعادة في الدارين. تهدف الجمعية إلى تقديم مساهمات مسلمي شاندونغ في بناء الصين دولة اشتراكية حديثة قوية على نحو شامل وتحقيق الحلم الصيني بالنهضة العظيمة للأمة الصينية.
((الصين اليوم)): شاندونغ هي منبع الكونفوشية ومقاطعة مشهورة عالميا بتاريخها وثقافتها المتألقة. نرجو أن تقدم لنا لمحة عامة عن الإسلام والتطورات التي شهدها في هذه المقاطعة.
وانغ شو لي: مقاطعة شاندونغ هي مسقط رأس كونفوشيوس، في فترة أسرة يوان (1271- 1368م)، فتحت شاندونغ ذراعيها للإسلام. خلال الأكثر من سبعمائة عام الماضية، شهد الإسلام تطورا ملحوظا من خلال التعايش المتناغم مع الثقافات المحلية المختلفة في المقاطعة، حتى أضحى مكونا مشرقا لثقافة شاندونغ المتألقة. حاليا، يعيش حوالي خمسمائة وأربعين ألف مسلم من كافة القوميات في شاندونغ التي يتجاوز عدد سكانها مائة مليون نسمة. معظم مسلمي شاندونغ هم من أبناء قومية هوي الذين يعيشون في شاندونغ منذ أجيال، وبعضهم من أبناء القوميات المسلمة الأخرى الذين هاجروا إلى شاندونغ منذ تنفيذ البلاد سياسة الإصلاح والانفتاح قبل أكثر من أربعين عاما، وشهدت المقاطعة تطورات اقتصادية واجتماعية، ومنهم أبناء قوميات دونغشيانغ وسالار وباوآن والويغور وغيرها من القوميات المسلمة في الصين. يتسم انتشار مسلمي شاندونغ بالسمة الغالبة لانتشار المسلمين في الصين، وهي أنهم ينتشرون انتشارا واسعا في أنحاء البلاد، لكن يتركزون في بعض الأماكن الخاصة بهم، حيث توجد المساجد والمدارس والمطاعم الإسلامية، أي "الاختلاط مع القوميات الأخرى على النطاق الواسع"، و"التجمع مع أبناء قوميتهم على النطاق الضيق"، و"الإقامة في محيط المساجد".
من حيث التوزيع الجغرافي، يتركز معظم مسلمي شاندونغ في مدينة جينان حاضرة المقاطعة، ومناطق غربي ووسط المقاطعة، أما المسلمون المغتربون، فمعظمهم يعيشون في مدينة تشينغداو ومدينة يانتاي ومدينة ويهاي وغيرها من المدن الساحلية في شرقي المقاطعة. ثمة تمازج بين مسلمي شاندونغ وإخوتهم من قومية هان والقوميات الأخرى، فهم يعيشون في هذه الأرض ككيان واحد متحد ومتناغم، يحترم بعضهم البعض في كل مناحي الحياة.
توجد الجمعية الإسلامية في ست عشرة مدينة بشاندونغ، التي يبلغ عدد المساجد فيها أربعمائة وثمانية وثلاثين مسجدا معتمدا في إدارة الشؤون الدينية على مستوى المقاطعة. كما أن عدد رجال الدين الإسلامي المعتمدين مهنيا في شاندونغ يبلغ تسعمائة وثمانية عشر. ولكل مسجد لجنة إدارة لشؤون المسجد، يمارس من خلالها المسلمون الإدارة الديمقراطية لشؤون المسجد. في ظل هذا النظام الإداري المثالي، وبفضل اهتمام الحكومات على المستويات المختلفة، فإن الحياة الدينية لمسلمي شاندونغ مضمونة ومحمية، سواء في أداء الصلوات الخمس اليومية أو في الأعياد الإسلامية.
((الصين اليوم)): أكد الرئيس شي جين بينغ في المؤتمر الوطني للأعمال الدينية والذي اختتم مؤخرا، على "التمسك بمبدأ تطوير الأديان في السياق الصيني"، فكيف تفهم "تطوير الأديان في السياق الصيني"، وضرورته العملية باعتباره نوعا من الوعي الذاتي عبر التاريخ؟ وما هي المرجعيات التاريخية لمقاطعة شاندونغ في هذا الصدد، وما هي أعمال الجمعية الإسلامية بمقاطعة شاندونغ في هذا المجال، وخططها في المستقبل؟
وانغ شو لي: الخطاب المهم الذي ألقاه الرئيس شي جين بينغ في المؤتمر الوطني للأعمال الدينية، له أهمية كبيرة ومغزى ثري، بيَّن اتجاه التقدم للأوساط الدينية وكيفية تطوير الأديان في بلادنا.
منذ دخول الإسلام إلى الصين رسميا عام 651 في فترة أسرة تانغ، استمرت مسيرة توطين الإسلام أكثر من ألف سنة. الإسلام الذي بدأ انتشاره في شبه الجزيرة العربية، يعد دينا أجنبيا في الصين، وهو مختلف تماما عن الثقافة الصينية التقليدية. مع ذلك، يتجاوز عدد مسلمي الصين حاليا عشرين مليونا. ومن أهم الأسباب وراء ذلك، هو أن الإسلام قام بممارسة التوطين بدرجة عالية في الصين، وحقق تكاملا إيجابيا مع مجتمع الصين وثقافتها التقليدية المتميزة، بحيث صار للإسلام أساس للبقاء والتطور في أرض الصين.
أما الإسلام في شاندونغ، فقد قبل بشكل منهجي تأثير الثقافة الكونفوشية والثقافة الصينية التقليدية، حيث استغل أئمة وعلماء شاندونغ عبر الأجيال المتتالية في التاريخ، فنون الخط الصيني والووشو والطب التقليدي، لدمج التعاليم الأساسية الإسلامية في الثقافة الكونفوشية، وينعكس ذلك في عادات مسلمي شاندونغ، من حفلات الزفاف إلى مراسم الجنازة وما إلى ذلك من شؤون الحياة. أكبر دليل في هذا المجال، هو ظهور "مدرسة شاندونغ" للتعليم المسجدي في أواخر فترة أسرة مينغ (1368- 1644م) وأوائل فترة أسرة تشينغ (1636- 1912م). الروح الأساسية لهذه المدرسة، هي "التواصل بين الإسلام والكونفوشية"، أي السعي إلى التقريب بين الإسلام والكونفوشية من حيث القيم والأخلاق وأصل الكون، ومن ثم الدمج بينهما. في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر حوار الحضارات الآسيوية في عام 2019، تناول الرئيس شي جين بينغ في كلمته "التواصل بين الإسلام والكونفوشية" كمثال لتوضيح أن الحضارة الصينية هي نظام مفتوح تم تشكيله من خلال التبادلات المستمرة والتعلم المتبادل مع الحضارات الأخرى. بعد ذلك، بدأت الأهمية العصرية للتواصل بين الإسلام والكونفوشية، تحظى باهتمام كبير من الأوساط الاجتماعية.
في السنوات الأخيرة، قامت الجمعية الإسلامية بمقاطعة شاندونغ بالعديد من الممارسات المفيدة حول تطوير الإسلام في السياق الصيني، وحققت نتائج اجتماعية جيدة. أولا، نرفع دائما الراية العظيمة لحب الوطن والإسلام. حيث أنشأنا مجموعة من القواعد الوطنية في أماكن الأنشطة الإسلامية، من أجل إثراء المعاني الوطنية المتمثلة في التمسك بتطوير الإسلام في السياق الصيني، وتحسين سرد القصص المؤثرة حول الثورة الصينية للاستقلال والبناء والإصلاح لمسلمي شاندونغ، وتعزيز شعور مسلمي شاندونغ بالانتماء للأمة الصينية. ثانيا، نأخذ دائما عمل شرح القرآن والسنة النبوية والكتب الشرعية كجوهر أعمالنا، بهدف مواصلة إبراز مزيد من محتويات التعاليم الإسلامية التي تتطابق مع متطلبات العصر، وتؤدي إلى التناغم الاجتماعي بين المسلمين وغيرهم من أبناء القوميات المختلفة. من أجل ذلك، نظمنا خلال ثلاث سنوات متواصلة جولات إلقاء خطب الوعظ التي تركز على تطوير الإسلام في السياق الصيني وممارسة القيم الأساسية الاشتراكية وما إلى ذلك من الموضوعات المهمة، في ما يقرب من أربعين مسجدا رئيسيا في أنحاء شاندونغ. إضافة إلى ذلك، قامت الجمعية بتأليف مجلدات من كتب خطب الوعظ حسب الموضوعات المختلفة، لتكون الكتب المرجعية لأئمة مساجد في المقاطعة. ثالثا، أخذ العمل التدريبي دائما كنقطة انطلاق مهمة. حيث قامت جمعيتنا بعدد من الأنشطة التدريبية على التوالي لأعضاء لجنة إدارة الجمعيات الإسلامية، وأعضاء لجان شؤون المساجد، وأئمة المساجد ورجال الدين الإسلامي، من أجل إرشادهم بنشاط لربط التعاليم الإسلامية بواقع الصين المعاصرة، وبسياسات الحكومة المركزية، لتثبيت خطوات المسلمين في طريق تطوير الإسلام في السياق الصيني.
من أجل تنفيذ توجيه الرئيس شي جين بينغ حول التمسك بمبدأ تطوير الأديان في السياق الصيني، على أفضل وجه، صاغت جمعيتنا ونفذت "خطة العمل الخمسية بشأن التمسك باتجاه تطوير الإسلام في السياق الصيني". في المرحلة القادمة، سوف نستفيد استفادة كاملة من مزايا شاندونغ في الثقافة التقليدية، ونلخص بشكل منهجي مساهمة "مدرسة شاندونغ" الفريدة في تطوير الإسلام في السياق الصيني، ونقوم بتعزيز التبادلات والتعلم المتبادل مع المقاطعات الشقيقة الأخرى ومع الدول العربية الواقعة على طول "الحزام والطريق"، واستكشاف "مسار شاندونغ" في اتجاه تطوير الإسلام في السياق الصيني.
((الصين اليوم)): باعتباركم عضوا في المجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، نود أن تقدموا لنا سياسات الحكومة الصينية وأعمالها في الشؤون المتعلقة بالمسلمين؟ وما هي الفرص والأدوار التي يحظى بها مسلمو الصين في العصر الجديد؟
وانغ شو لي: بصفتي عضوا في المجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي، أشعر بعمق أن الحزب الشيوعي الصيني والحكومة المركزية هما الضمانة الأساسية للحياة السعيدة لجميع المواطنين الصينيين بمن فيهم المسلمون. منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية، يلتزم الحزب الشيوعي الصيني بمبدأ "التضامن والتعاون في السياسة، والاحترام المتبادل في الاعتقاد الديني" في التعامل مع الأوساط الدينية، ويتخذ حرية الاعتقاد الديني سياسة أساسية، ويضمن حقوق المواطنين في الاعتقاد الديني وفقا للدستور والقوانين، وحماية الأنشطة الدينية العادية ومصالح الأوساط الدينية، الأمر الذي يحفز الحماسة الوطنية للمسلمين للمشاركة في بناء وإصلاح البلاد. حاليا، هناك ما يقرب من مائتي مليون صيني يعتنقون أديانا مختلفة، ومنهم أكثر من عشرين مليون مسلم، ويوجد في أنحاء الصين أكثر من أربعين ألف مسجد، وينعم مسلمو الصين بحياة سعيدة وهادئة. يمكن القول إنه من دون رعاية واهتمام الحزب والحكومة، لن يكون هناك وضع جيد للتطور الصحي للإسلام في الصين.
في الوقت الحاضر الذي حققنا فيه بناء مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل، يقف مسلمو الصين عند نقطة انطلاق تاريخية جديدة. ينبغي لهم أن يتعاونوا مع إخوتهم من القوميات المختلفة، متحدين عن كثب حول الحزب والحكومة، رافعين عاليا راية حب الوطن والإسلام، متمسكين بمبدأ تطوير الإسلام في السياق الصيني. وينبغي لهم أن يلعبوا دورهم الإيجابي في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية وصون التضامن بين القوميات والاستقرار الاجتماعي، وتحقيق النهضة الريفية والأعمال الاجتماعية الخيرية.
ستعزز الجمعية الإسلامية بمقاطعة شاندونغ مزاياها كالجسر للحزب والحكومة للتواصل مع المسلمين، وحشد حكمة وقوة مسلمي شاندونغ لتقديم مساهمات جديدة وكبيرة في تحقيق حلم الصين المتمثل في النهضة العظيمة للأمة الصينية.
©China Today. All Rights Reserved.
24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037