الصين اليوم: السلام عليكم أستاذ هو لونغ، نشكركم على قبول هذا الحوار مع ((الصين اليوم)). في البداية نرجو أن تقدم لقرائنا العرب نبذة عن حضرتكم ومسيرتكم العلمية.
الأستاذ هو لونغ: بادئ ذي بدء، يسعدني كثيرا إجراء هذا الحوار معكم. اسمي هو لونغ (إبراهيم)، قبل تقاعدي، كنت أعمل باحثا بمركز الدراسات لتصنيف ونشر الوثائق القديمة للأقليات القومية بمقاطعة قانسو في شمال غربي الصين، كما كنت باحثا زائرا بمركز الدراسات الإسلامية في جامعة لانتشو، ومشرف دكتوراه مشاركا بمركز دراسات الثقافة الإسلامية في جامعة شمال غربي الصين للقوميات. محور دراساتي هو مدرسة شنشي للتعليم المسجدي في الصين وما يتعلق بها من المخطوطات القديمة المكتوبة باللغتين العربية والفارسية، وبطريقة شياوجينغ وهي طريقة تقليدية لكتابة الصينية بحروف عربية، طورها مسلمو الصين من قومية هوي في مدارسهم الدينية في القرن السادس عشر، لكتابة حواشي وتفاسير للكتب الدينية المكتوبة بالعربية. تلقيت التعليم المسجدي في مسقط رأسي بمدينة بينغليانغ في مقاطعة قانسو، بعد التخرج في المدرسة الثانوية، واصلت الدراسة في معهد لانتشو للعلوم الإسلامية، كما قمت بزيارات علمية لعديد من الدول العربية والإسلامية، إضافة إلى إلقاء محاضرة في كلية كوينز بجامعة كامبريدج، وحضور مؤتمرات أكاديمية حول الدراسات الإسلامية الصينية- بتقديم أوراق بحثية- والتي ينظمها معهد هارفارد ينتشينغ. أثارت دراساتي اهتمام بعض أساتذة جامعة بكين، فدعتني كلية اللغات الأجنبية بجامعة بكين لإلقاء محاضرة تحت عنوان "دراسة حول المخطوطات الإسلامية في الصين ومدخل إلى علم المخطوطات الإسلامية". كما نشرت عشرات البحوث الأكاديمية، ولي أربعة كتب تحت الطبع، تتناول دراسة مدرسة شنشي للتعليم المسجدي والمخطوطات الإسلامية ومواد التعليم المسجدي وتحويل نسخة شياوجينغ من القرآن الكريم التي تمت ترجمتها في أواخر أسرة تشينغ (1644-1911م) إلى اللغة الصينية.
((الصين اليوم)): كيف بدأت دراسة المخطوطات الإسلامية في الصين، وما هي المزايا والوضع الحالي للمخطوطات الإسلامية في الصين؟
الأستاذ هو لونغ: شكرا على هذا السؤال الرائع. رحلتي مع المخطوطات الإسلامية في الصين قدر مكتوب. السبب الأول يرجع إلى اهتمام الحكومة الصينية بحماية وإبراز الآثار الثقافية للأقليات القومية. أثناء عملي في دراسة الوثائق القديمة لقومية هوي المسلمة، أتيحت لي فرص ثمينة للاطلاع على كمية هائلة من المخطوطات الإسلامية في الصين، والتي تعتبر نتاجا فريدا للاندماج الثقافي بين الحضارتين الصينية والإسلامية لمدة أكثر من ألف سنة. السبب الثاني ينبع من مشاعري تجاه التعليم المسجدي الإسلامي في الصين. لقد دفعني ذلك إلى ولوج هذا المجال الدراسي المحفوف بالتحديات الكبيرة ولم يتم البحث فيه بشكل كاف من قبل، لترك بعض النتائج العلمية في دراسة التعليم المسجدي في الصين، وتأسيس علم المخطوطات الإسلامية في الصين، لرفع صوت بلادي في هذا المجال المنير. السبب الثالث هو أن كل ما حصلت عليه من علوم الصرف والنحو والبلاغة والمنطق والتفسير والحديث النبوي والكلام والفقه، ساعدني كثيرا في تكوين الأساس العلمي لمطالعة ودراسة المخطوطات الإسلامية في الصين. السبب الرابع هو أنني ابن لعائلة من العلماء والأئمة في كل أجيالها.
يرجع تاريخ دراسة المخطوطات الإسلامية في الصين إلى زمن بعيد. في فترة أسرتي مينغ (1368- 1644م) وتشينغ، استوعب مسلمو الصين ودرسوا وترجموا المخطوطات الإسلامية بأنواعها المختلفة. وقد أشار الشيخ ليو تشي (1669- 1764م) في كتابيه ((اللطائف)) و((الشريعة الإسلامية)) إلى قائمة مراجع تشمل 85 كتابا، منها 20 مكررة، وبذلك يكون إجمالي عدد المراجع 65 مرجعا. تعتبر هذه القائمة أقدم فهرس موجود للوثائق العربية والفارسية في الصين، وهي مخطوطات إسلامية. من خلال هذه القائمة، يمكن ملاحظة دقة وحرص مسلمي الصين في اختيار ودراسة المخطوطات الإسلامية القادمة من الخارج، للتأكد من أن محتوياتها تناسب نهج التعليم المسجدي في الصين المتمثل في الجمع بين الإسلام والكونفوشية، وتتلاءم مع الظروف الوطنية آنذاك.
ثمة الكثير من المخطوطات الإسلامية الوافدة والمحلية محفوظة في بعض المكتبات والمتاحف والمساجد، وحتى لدى المسلمين الأفراد، ومعظمها كتبها وعلق عليها علماء مسلمون. لا يوجد حاليا إحصاء معتمد لعدد المخطوطات الإسلامية في الصين، لكن حسب الزيارات والجولات التفقدية التي قمت أنا وباحثون صينيون وأجانب آخرون، يقترب عدد المخطوطات الإسلامية المحفوظة لدى الأفراد في الصين من خمسين ألف نسخة، من بينها مخطوطات بالعربية أو الفارسية، أو باللغتين العربية والفارسية، وبعضها مكتوب بالعربية وشياوجينغ، أو بالعربية والفارسية وشياوجينغ، بل إن هناك مخطوطات مكتوبة بالعربية والفارسية والصينية وشياوجينغ.
تتناول المخطوطات الإسلامية في الصين العديد من العلوم، مثل القرآن الكريم وتفسيره والحديث النبوي وعلم الكلام والمنطق واللغة والبلاغة والفقه والتصوف والأدب والفلك والطب والمعاجم وغيرها من العلوم. بشكل عام، يمكن القول إن علم المخطوطات الإسلامية في الصين هو بنية معلومات ومعارف هائلة تم تطويرها تدريجيا، كثمرة للتعليم المسجدي الصيني ونشأة الفكر الإسلامي الصيني خلال مسيرة توطين الإسلام في الصين. تتميزالمخطوطات الإسلامية في الصين، من حيث خصائصها المادية أو الثقافية، بالطابع الثقافي الصيني بعمق، وشهدت على مر العصور تطورات إبداعية. ومن الأمثلة النموذجية، أنه بفضل الدمج بين الحضارتين الصينية والإسلامية، ظهر كتاب ((ختم القرآن))، الذي يتضمن آيات وسورا مختارة من القرآن الكريم، ومخطوطة المصحف المكونة من ثلاثين مجلدا حسب أجزاء القرآن، والمكتوبة باللغتين العربية أو الفارسية بخط ذي خصائص صينية. وهي تختلف عن المخطوطات الإسلامية في الدول العربية والإسلامية. وقد شكلت المخطوطات الإسلامية في الصين تدريجيا خلال تطورها الطويل، أربع خصائص محلية فريدة؛ الأولى تتمثل في المادة المستخدمة فيها، كنوع الورق والحبر والأقلام وغيرها من مواد الكتابة وطريق التجليد والزخرفة، والثانية تمثل في المحتويات، حيث قام العلماء المسلمون الصينيون بمعالجة المعلومات المأخوذة من محتويات المؤلفات الإسلامية من الدول الأجنبية، على أساس تعلمها واستيعابها، لكي تكون ملائمة لثقافة ومجتمع الصين في ذلك الوقت. الثالثة تتمثل في أن العلماء المسلمين شرعوا منذ فترة أسرتي مينغ وتشينغ، في تأليف كتب العلوم الإسلامية باللغتين العربية والفارسية، وذلك بعد الدمج بين الإسلام والكونفوشية، ويتمثل في حواش المخطوطات بشكل واضح، الرابعة تتمثل في الصلة الثقافية الطبيعية بين المخطوطات الإسلامية في الصين و"هانكتاب" أي الوثائق الإسلامية القديمة لقومية هوي والتي كتبت باللغة الصينية.
((الصين اليوم)): كيف ترى جهود حكومة الصين في حماية ودراسة الوثائق القديمة للأقليات القومية؟
الأستاذ هو لونغ: إذا نظرنا إلى الوراء في التاريخ، نجد فهارس الوثائق القديمة باللغة الصينية في كل أسرة من الأسر الحاكمة في تاريخ الصين، لكننا لا نجد أثرا لتصنيف ودراسات المخطوطات والوثائق القديمة للأقليات القومية. بعد تأسيس الصين الجديدة، قامت حكومات الصين بمختلف المستويات تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني، بتطوير قضية الأقليات القومية في مجالي الاقتصاد والثقافة. في خمسينات القرن الماضي، بدأت حملات دراسة استقصائية على نطاق الدولة حول التاريخ الاجتماعي واللغات للأقليات القومية، وتم اكتشاف وجمع عدد كبير من الوثائق القديمة للأقليات القومية، والتي تعتبر وعاء مهما للثقافة الصينية التقليدية. في عام 1981، أصدرت أمانة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني "تعليمات اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني بشأن تصنيف الوثائق القديمة على نطاق الوطن"، وفي عام 1984، أصدر ديوان مجلس الدولة "إشعار طلب اللجنة الوطنية للشؤون القومية بشأن إنقاذ وتصنيف الوثائق القديمة للأقليات القومية"، مؤكدا على "أن الوثائق القديمة للأقليات القومية هي جزء من التراث الثقافي الثمين للبلاد. وأن إنقاذ وتصنيف هذه الوثائق عمل مهم للغاية، وعلى كل الحكومات والإدارات أن تعزز إدارتها في هذا العمل، وأن توفر الدعم من حيث الموارد البشرية والمالية والمادية، وتقدم التسهيلات الضرورية لأعمال ومعيشة العاملين المتخصصين في تصنيف الوثائق القديمة للأقليات القومية." منذ ذلك الحين، أصبح عمل الوثائق القديمة للأقليات القومية مهمة هامة في دفع تنمية البلاد.
بالنسبة لقومية هوي، إضافة إلى وثائقها المكتوبة باللغة الصينية، تم تضمين المخطوطات بالعربية والفارسية وشياوجينغ أيضا في نطاق تصنيف الوثائق القديمة للأقليات القومية. هكذا جاء بالفعل ربيع حماية وإنقاذ وجمع وتصنيف وترجمة ونشر ودارسة الوثائق القديمة لقومية هوي وما يتعلق بها من المخطوطات الإسلامية في الصين.
في السادس عشر من يوليو 2019، أثناء زيارته التفقدية لمكتبة جامعة منغوليا الداخلية، أكد الرئيس شي جين بينغ على ضرورة تعزيز أعمال جمع وتصنيف وحماية الوثائق القديمة لقومية منغوليا، لإبراز المعاني الكامنة للتضامن والتقدم بين القوميات، وتشجيع المواطنين بمختلف القوميات على الاتحاد والكفاح من أجل تحقيق الازدهار والتنمية المشتركة. أثارت توجيهات الرئيس شي جين بينغ في مكتبة جامعة منغوليا الداخلية اهتماما بالغا من المجتمع بأسره ومن أوساط العاملين في مجال الوثائق القديمة للأقليات القومية، كما أنها أتاحت فرصة كبيرة أعمال إنقاذ وحماية الوثائق القديمة للأقليات القومية.