((الصين اليوم)): السلام عليكم، الأستاذ تسونغ. شكرا جزيلا لكم على قبول هذا الحوار. أولا، نرجو منكم أن تقدموا لنا نبذة مختصرة عنكم وعن المعهد الصيني للعلوم الإسلامية؟
الأستاذ تسونغ: وعليكم السلام ورحمة الله. بادئ ذي البدء، يسعدني كثيرا الحوار مع مجلة ((الصين اليوم)) ومع الأصدقاء العرب حول التعليم في المعاهد الإسلامية بالصين. اسمي تسونغ إن لين (عبد الوهاب)، ولدت في مقاطعة خبي بشمالي الصين. بعد تخرجي في المعهد الصيني للعلوم الإسلامية ببكين في ثمانينات القرن الماضي، بقيت في المعهد مدرسا لمادة العلوم الإسلامية، والآن، أشغل منصب نائب رئيس الجمعية الإسلامية الصينية ونائب رئيس المعهد الصيني للعلوم الإسلامية.
المعهد الصيني للعلوم الإسلامية مؤسسة وطنية للتعليم الإسلامي العالي، تحت رعاية الجمعية الإسلامية الصينية. بعد تأسيس الصين الجديدة في عام 1949، وعلى أساس توارث تقاليد التعليم المسجدي وتجاربه الناجحة، دخل التعليم الإسلامي في الصين عصرا جديدا، يتمثل في دمج التعليم العالي الحديث والتعليم الإسلامي التقليدي. في نوفمبر عام 1955، تم إنشاء المعهد الصيني للعلوم الإسلامية في بكين، على أساس قسم اللغة العربية بكلية أبناء قومية هوي في بكين، تحت رعاية رئيس مجلس الدولة الراحل تشو إن لاي وبجهود قادة الجمعية الإسلامية الصينية. كان تأسيس المعهد رمزا لبداية التعليم الإسلامي العالي، والتعليم الإسلامي في الصين الجديدة.
يقع المعهد في منطقة نيوجيه، وهي تجمع سكني رئيسي للمسلمين في جنوبي بكين. تبلغ مساحة أرض المعهد حوالي عشرة آلاف متر مربع، ومساحته الإنشائية نحو اثنين وعشرين ألف متر مربع. تتكون بناياته الرئيسية من عمارة التدريس ومساكن الطلاب وعمارة المكتبة والإدارة. تحتفظ عمارة التدريس بطرازها المعماري العربي الأصلي منذ بنائها في خمسينات القرن العشرين، وتضم مكتبة المعهد أكثر من ستين ألف نسخة من الكتب باللغات الصينية والعربية والفارسية والإنجليزية والأردية وغيرها، إضافة إلى كمية من المخطوطات النادرة للقرآن الكريم.
يدمج المعهد الصيني للعلوم الإسلامية مزايا كل من التعليم المسجدي الصيني التقليدي والتعليم الوطني النظامي، وأبدع نمطا جديدا للتعليم الإسلامي العالي في الصين. يعتمد المعهد على أساليب التدريس الحديثة في الفصول الدراسية، ويلتزم بمبدأ "الحديث عن الإسلام في إطار المعنيين به"، ويولي اهتماما للجمع بين النظرية والممارسة، ويتخذ إعداد أئمة المساجد ورجال الدين الإسلامي كهدف أساسي للتعليم، مما يتطلب من الدارسين امتلاك القدرة الكافية لتعلم ودراسة العلوم الإسلامية على أساس استيعاب اللغة العربية والاجتماعية خلال الدراسة النظامية للمواد المتنوعة التي تتكون من ثلاث فئات؛ الأولى هي مواد العلوم الإسلامية التي تمثل 70% من إجمالي مواد الدراسة، بما فيها اللغة العربية وعلم القرآن وتفسير القرآن وعلم الفقه وتاريخ الإسلام في الصين وفي العالم، وغيرها، والثانية هي المواد الجامعية العامة كاللغة الصينية والتاريخ العام، ومناهج البحث، والتي تمثل 20% من إجمالي المواد، والفئة الثالثة هي الدورات الأساسية الأيديولوجية والسياسية التي تشمل السياسات القومية والدينية والتربية الوطنية وغيرها من المواد التي تمثل 10% من إجمالي المواد.
يفتح المعهد باب التسجيل والقبول للشباب المسلمين الذكور الذين تزيد أعمارهم عن 18 عاما وأتموا الدراسة في المرحلة الثانوية، ولديهم الرغبة في العمل كرجال للدين الإسلامي في الصين. يكون القبول حسب الترتيب في نتيجة الامتحانات التي ينظمها المعهد لكل المسجلين على المستوى الوطني.
يوجد في المعهد حاليا فصل الليسانس العام وفصل الليسانس لأئمة المساجد الذين يمارسون أعمالهم بالفعل، وفصل الليسانس لأبناء منطقة شنيجيانغ، فضلا عن قسم الدراسات العليا. يدرس في المعهد حوالي ثلاثمائة طالب من أبناء القوميات المسلمة المختلفة في أنحاء البلاد. يعمل معظم خريجي المعهد أئمة للمساجد بشكل رئيسي، ويعمل بعضهم مدرسين أو باحثين في العلوم الإسلامية.
((الصين اليوم)): كنائب رئيس الجمعية الإسلامية الصينية، نرجو أن تعطينا أيضا صورة عامة عن المعاهد الإسلامية في الصين.
الأستاذ تسونغ: المعهد الصيني للعلوم الإسلامية، باعتباره أول معهد إسلامي تأسس في الصين الجديدة، لعب دور النموذج لإنشاء المعاهد الإسلامية في أنحاء الصين المختلفة. بموافقة الحكومة المركزية، أسست الحكومات والجمعيات الإسلامية المحلية تسعة معاهد إسلامية منذ ثمانينات القرن العشرين، في المناطق الصينية الرئيسية، ومنها معهد العلوم الإسلامية في بكين العاصمة، ومعهد العلوم الإسلامية في منطقة شينجيانغ الويغورية الذاتية الحكم، ومعهد العلوم الإسلامية في مدينة لانتشو بشمال غربي الصين، ومعهد العلوم الإسلامية في مدينة تشنغتشو في وسط الصين، ومعهد العلوم الإسلامية في مدينة كونمينغ بجنوب غربي الصين، وغيرها من المعاهد الإسلامية التي تلعب دورا حاسما في إعداد أئمة المساجد ورجال الدين منذ أكثر من ثلاثين سنة، وتقدم مساهمات كبيرة في نشر فكر الإسلام الوسطي الصيني المتمثل في حب الوطن والإسلام والتمسك بالتقاليد الحميدة المتوارثة من مسلمي الصين وعلمائها خلال عصور التاريخ المختلفة.
تهتم حكومة الصين على المستويات كافة، بقضية بناء وتطوير المعاهد الإسلامية. على سبيل المثال، في المرحلة الأخيرة لمشروع ترميم وتوسيع المعهد الصيني للعلوم الإسلامية والتي تمت في عام 2018، قدمت الدوائر الحكومية المعنية حوالي 173 مليون يوان (الدولار الأمريكي يساوي 7ر6 يوانات حاليا)، لدعم ترميم وصيانة بناية التدريس وإنشاء عمارة السكن ومكتبة المعهد. حقق المشروع استكمال المرافق الضرورية للمعهد، وقدم ضمانا بشكل فعال لأعمال تدريس المعهد.
((الصين اليوم)): مقارنة مع التعليم المسجدي التقليدي، ما هي المزايا العصرية لمعاهد العلوم الإسلامية في إعداد الأكفاء المسلمين؟
الأستاذ تسونغ: العلاقة بين التعليم المسجدي التقليدي والتعليم الحديث في المعاهد الإسلامية علاقة تكاملية، فأرى أن كليهما منتج يتكيف مع العصر، ولكل منهما مزايا. يعتبر التعليم المسجدي نوعا من التعليم ذي الخصائص الصينية، والذي تم تناقله منذ فترة أسرة مينغ، ويتخذ المسجد كمدرسة بأسلوب الكُتّاب الصيني التقليدي لإعداد رجال الدين الإسلامي. قدم التعليم المسجدي التقليدي مساهمة تاريخية لا تمحى في توارث الثقافة الإسلامية الصينية. يمكن القول إن وجود الإسلام في الصين حتى يومنا هذا لا ينفصل عن التعليم المسجدي التقليدي الذي أعد أجيالا من الأئمة ورجال الدين الإسلامي عبر التاريخ، ولولاه لما انتشر الإسلام في الصين بسلاسة. إن التعليم المسجدي التقليدي قد حدد خصائص الإسلام في الصين واتجاه تطوره، وأوضح الشروط الأساسية التي يجب أن يتمتع بها الأئمة ورجال الدين الإسلامي، وأسس فكر الإسلام الصيني من خلال اختيار المؤلفات المشهورة باللغتين العربية والفارسية كمواد تعليمية، والتي تتناول شتى مجالات الإسلام ذات الطابع الوسطي والتكيف مع ظروف المجتمع الصيني في العصور المختلفة بالتقارب مع الثقافة الصينية التقليدية.
أما التعليم الحديث في المعاهد الإسلامية، فقد ورث تجارب الماضي الناجحة وفتح الوضع الجديد، سواء من حيث نمط التعليم أو محتويات المواد الدراسية. على أساس اتخاذ الخبرة المفيدة من التعليم المسجدي التقليدي، يسعى المعهد الصيني للعلوم الإسلامية إلى تحسين العملية التعليمية من حيث محتويات المواد وطرق التدريس ونمط الإدارة، كل ذلك يركز عن كثب على الخط الرئيسي وهو "حب الوطن والإسلام"، والدعوة بقوة إلى الروح الإسلامية المتمثلة في "حب الوطن والتضامن والسلام والوسطية والتسامح والتناغم"، إضافة إلى فتح الدورات والبرامج حول التربية الوطنية والأسس القانونية، وتنظيم المحاضرات حول العلاقات الدولية ومسابقات المعرفة والأنشطة الخيرية الاجتماعية والتطوعية وغيرها من الفعاليات المتنوعة. لا يدرس الطلاب العلوم الإسلامية والعربية فحسب، وإنما أيضا يستوعبون العلوم العلمية والاجتماعية، ويعرفون الشؤون الدينية والثقافة الصينية التقليدية في ذات الوقت. بالأخلاق الدينية والوعي القانوني والسياسي المستقيم، تتجذر وتتعمق روح حب الوطن والإسلام وخدمة الوطن والجماهير في نفوس الطلاب، مع التزامهم بحماية التضامن بين القوميات والاستقرار الاجتماعي.
((الصين اليوم)): إذا نأخذ المعهد الصيني للعلوم الإسلامية كمثال، ما هي جهود الجمعية الإسلامية الصينية في تعزيز أعمال معاهد العلوم الإسلامية في السنوات الأخيرة؟
الأستاذ تسونغ: يمكن القول إن معاهد العلوم الإسلامية في الصين دخلت عصرا جديدا. من جانب الجمعية الإسلامية الصينية، بصفتها الجهة الإدارية للمعهد الصيني للعلوم الإسلامية، نهضت منذ بداية القرن الجديد بمهمة تأليف المواد الدراسية الموحدة للمعاهد الإسلامية على مستوى البلاد، وقد تم تأليف وإصدار أربعة عشر مادة من الكتب الدراسية باللغة الصينية، تستخدم كمواد دراسية للطلاب المبتدئين في الصفين الأول والثاني، أما طلاب الصف الثالث وما بعده، فيستخدمون الكتب الإسلامية بالنسخة الأصلية أو مختارات منها كالمواد الدراسية.
باختصار، على أساس احترام التقاليد والاستفادة منها، شكّل المعهد الصيني للعلوم الإسلامية- مع المعاهد الإسلامية المحلية الأخرى- برنامجه المتخصص في التعليم، والذي يشتمل على كثير من تجارب وحكمة مسلمي الصين وعلمائها. خلال العصور المختلفة، نجحت أجيال من العلماء المسلمين الصينيين بروح "الوئام" و"الوسطية"، في إيجاد نظام تعليمي مناسب للتعاليم الإسلامية، ثم من خلال نظام التعليم، تحقق تطور الإسلام المستمر في بلادنا بالشكل الصحيح المستدام. ولأكثر من ستين عاما، قام المعهد الصيني للعلوم الإسلامية بإعداد دفعات متعددة من الأكفاء المؤهلين ذوي القدرات العلمية والأخلاق الإسلامية، تلبية لاحتياجات قطاعات المجتمع. وقدم المعهد الصيني للعلوم الإسلامية مساهماته القيمة في تطوير الثقافة الإسلامية والتعليم الإسلامي في الصين، وسيواصل تحقيق إنجازات جديدة في عصرنا الجديد.